ولان رفاهية المجتمعات تقوم على كيفية تشغيل الموارد واشغال الطاقات ونجاح الدول يعتمد على مأسسة عمل المؤسسات، فان الرؤية الاستراتيجية و منظومة العمل والفريق الاداري يشكلون الارضية الصلبة التي تقوم عليها ظروف الانجاز ومقوماته، هذا لان الادارة اساس نجاح الدولة والقيادة قوام إنجاح رسالتها، فان خير العمل الاداري هو ذلك العمل المؤسسي الذي يقوم على الكفاءة والعمل الجماعي التخصصي، والمفارقة العجيبة ان المريض لا يبحث عن هوية فرعية للاستشفاء بل يبحث عن كفاءة خالصة تخلصه من معاناة المرض، لكن اذا كان مديرا للمستشفى مارس هذا التصرف، ونستكثر على الوزير او المدير اية رواتب او مخصصات بينما نستجلب مدرب فريق كرة القدم يكلف ارقاما فلكية مع ان انجاز الوزير او المدير هو انجاز استراتيجي وانجاز المدرب آني، باعتباره يندرج في اطار الرفاهية، ونهتم ايضا في مسألة التوظيف على حساب مسألة التشغيل التي هي الاهم للفرد والاصلح للمجتمع.
والغريب العجيب ان تشخيص المرض متفق عليه رسميا وشعبيا والحلول واضحة وجلية مع ذلك مازلنا نمارس اسلوب الاسترضاء تلو الاسترضاء مع انه لا يعالج حالة بل يقوم من اجل تخدير الم، وان كانت لغة التخدير لا تكسب سوى مزيد من الوقت مقابل مضاعفة اعباء الأحمال لاسيما اذا كان المشوار طويلا، حيث كلما زاد طول المشوار مع تقادم الزمن زاد حجم الارهاق بحمل اوزانه وحد ذلك من قدرة ترحيله، وأدى ذلك كله الى ثقل في الحركة وعدم رشاقة في الاداء وهذا ما يمكن مشاهدته عند تشخيص الجهاز الاداري العام الذي تم المراعاة فيه الكم عن النوع حيث باتت حركته مثقلة واصلاحه بحاجة الى استئصال جزئي او الى اعادة بناء كلي.
كما وتم ادخال مصطلح جديد تحت مسمى الزعامة الوظيفية، وكأن الوظيفة قادرة على تكوين قيادات عامة تقود المشهد العام وهذا ما ادى الى انكفاء من كان يشكل ذلك الدرع الواقي للقرار ولم نقدم من يشغل ذلك المكان، فتم اخلاء المشهد من المصدات الاساسية والدروع الواقية للبيت القرار، وهذا بحاجة الى استدراك خاطف يعيد الامور الى نصابها من خلال المسارعة في تعبئة الشواغر الاساسية في الوقاية وتقديم فريق عمل قادر على حماية، والدفاع عن القرار و جمله السياسية، فان اولويات المرحلة تتمثل في استعادة مناخات الثقه تجاه بيت القرار ومؤسساته.
فان الانجاز يمكن تحقيقه من خلال مصالحة شاملة تقود الى بناء ذاتي متين، لاسيما وان عوامل البناء حاضرة وانجاز (مشروع المواطنة) بحاجة الى ثلاثين عاما، هذا ان بدأنا المشوار من اليوم لتحقيقه وكما ان حجم المخاطرة فيه قليل مقارنة مع مشروع البحث عن تقاطعات اقليمية تحدث حالة الوحدة المستهدفة، فهل نحن امام جملة من الاصلاح الاداري السياسي تقوم على احداث الفارق مع اقتراب بداية المرحلة القادمة؟ هذا ما ستجيب عنه المرحلة وخياراتها باختياراتها.
(الدستور)