ازمة المياة في الاردن: التحديات والافاق المستقبلية ..
13-12-2009 01:03 PM
لايخفى على احد ان ازمة المياة في المملكة هي تحد كبير امام صناع القرار والخبراء وعائق امام التنمية الشاملة في هذا البلد الافقر مائيا من العالم. وهي كذلك ازمة تواجهه العديد من الدول في منطقتنا. وقد تفاقمت هذة الازمة نتيجة لظروف مناخية وطبيعية وديموغرافية واقتصادية واجتماعية وسياسية مجتمعة. فمن المتوقع أن يتضاعف عدد السكان تقريبا بحلول عام 2025. ومن المتوقع أن يزداد الطلب على الماء باكثر من الضعف خلال هذه الفترة، وتشير التقديرات المختلفة أن نصيب الفرد الاردني من الموارد المائية المتجددة سيقل عن 100 م3 فى السنة بحلول عام 2025 وهو مايعادل اقل من 10% من معدل حصة الفرد على المستوى العربي واقل من 1.5% من معدل نصيب الفرد على المستوى العالمي، وبالرغم من حجم هذا الطلب واستخدام معظم الموارد المائية المتاحة في القطاع الزراعي فإننا ما زلنا نستورد جزء كبير من احتياجاتها الغذائية ومازال قطاع المياة بحاجة الى استثمارات بالمليارات للوصول الى مستوى الامن المائي والاكتفاء في هذا المجال.
القضية متشعبة ولا بد من وضع استراتيجية مائية فاعلة وواقعية تاخذ بعين الاعتبار جميع البدائل والاحتمالات ضمن منظور الادارة المتكاملة للموارد المائية في الاردن. خاصة ان المشاريع الكبيرة مثل جر مياه الديسى وناقل البحرين وبعض المشاريع الاخرى هي مشاريع كبرى وقد تتعرض للتاخير لاسباب تمويلية او سياسية معينة. فقد شاركت شخصيا بدراسات مشروع الديسي و مشروع ناقل البحرين الاولية عامي 1995 و 1996 ضمن طواقم استشارية عالمية وما زالت الامور تراوح ليس بعيدا عن مكانها حينئذ. ولذلك لابد من وضع خطط تنفيذية قصيرة الامد وطويلة الامد تحت سيناريوهات مختلفة تأخذ بعين الاعتبار في احداها عدم تنفيذ بعض هذه المشاريع.
ومع تقديرنا للجهود المبذولة وبأن الاردن قد حقق نجاحا ملحوظا وتميزا فى قدرته على تجاوز ازمة المياه في السنوات الاخيرة التي غلب عليها الجفاف وشح الامطار الا ان ادارة هذة الازمة بنفس الاسلوب لا يمكن ان يستمر دون الحاق ضرر بالغ و مزمن في استدامة الانظمة المائية الهشة الموجودة لدينا. خاصة في مجال المحافظة على حقوق الاجيال القادمة و استدامة النظام البيئى بصورة متوازنة. ولا بد من التفكير باسلوب مختلف غير نمطي ومبتكر واتخاذ قرارت ومبادرات قد تكون صعبة لتصويب بعض الممارسات غير المجدية.
وهناك عدة عناصر يمكن اعتبارها بهذا الشان، منها:
1. تنمية المصادر المائية بصورة مستدامة عن طريق تحديد معدلات الضخ الامن من الطبقات المائية المختلفة والمحافظة على نوعية المياة المتوفرة ومعالجة المياة العادمة بصورة اوسع وتدوير المياة وتطوير اليات حصاد المياه وتغذية المياه الجوفية وخلط المياة ذات الجودة العالية باخرى اقل جودة . ان مثل هذه الاجراءات تضمن حفظ حقوق الاجيال القادمة في الموارد المائية.
2. ادارة الطلب على المياة بصورة متوازنة وبمشاركة جميع اصحاب العلاقة خاصة في الري والاغراض الزراعية والتى تستهلك اكثر من 70 بالمائة من اجمالي الطلب الكلي. وكما تعلمون فان توفير 10 بالمائة من المياه في هذا القطاع قد يوفر احتياجات الشرب للمملكه. اما فيما يخص الاستعمال المنزلي، فالترشيد والتوعية الجماهيرية وتقنيات توفير المياه لها دور ايجابي خاصة في المرافق العامة.
3. التفكير مليا في فاعلية واستدامة مشاريع نقل المياه و توزيعها وجدواها وتصميم شبكات التوزيع بنظام الانسياب الحر، وتقليل الفاقد وصيانة الشبكات باسلوب التحكم الالي المرتبط بنظام خرائط جغرافي متطور.
4. تعظيم القيمة المضافة اقتصاديا لكل نقطة ماء خاصة في الانتاج الزراعي والتفكير جديا بتطوير سلالات زراعية مقاومة للجفاف والملوحة وتبديل المحاصيل ذات الاستهلاك المائي العالي باخرى اقل استهلاكا للمياه. ولا ضير في استيراد المنتوجات الجشعة مائيا كاسلوب بديل لاستيراد الماء وهذا هو مفهوم المياه الافتراضية. إن هذا المبدأ يعني احتساب كمية المياه المطلوبة او الداخلة لإنتاج الغذاء من الخضراوات والحبوب واللحوم والالبان واعتبارها موارد مائية . وبالتالي فان المياه الافتراضية يتم استيرادها من خلال السلع المختلفة. فعلى سبيل المثال فإن كمية الماء اللازمة لانتاج طن من القمح المروي تزيد عن الف ومائة متر مكعب وانتاج كيلو واحد من البندورة يحتاج الى حوالي 130 لتر ماء والبرتقال يحتاج حوالي 380 لتر/كغم وكوب عصير البرتقال يحتاج لحوالي 170 لترا وكيلو اللحم البقري يحتاج الى حوالي 13500 لترا. ويجب الاخذ بعين الاعتبار الابعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والصحية في التخطيط لقطاع المياة وعدم التجني على القطاع الزراعي نظرا لما له من اثار ايجابية على البيئة وفي تشغيل الناس وارتباطهم بالارض.
5. ضرورة اعطاء الاولوية لتامين المياة الصالحة للشرب و للاستعمالات الاساسية وتوفير الصرف الصحي الامن كحق لكل مواطن والعمل على استراد كلفة ايصال الخدمات ضمن نظام تكافل اجتماعي عادل و مدروس.
6. الاستثمار في بناء القدرات المؤسسية والبشرية لقطاع المياة لان قطاع المياة بحاجة ماسة الى طواقم مدربة وواعية لحجم التحدي. كذلك توفير البيانات و نتائج الدراسات والابحاث باسلوب تطبيقي ليكون القرار مبنيا على معلومة موثوقة وتحليل سليم.
7. اطاق برامج توعوية فاعلة لاشراك جميع اصحاب العلاقة بابعلاد المشكلة وحلولها والتركيز على دور منظمات المجتمع المدني وتكوين روايط مستخدمي المياه للمساهمة في حل المشكلة بعيدا عن الارتجال.
8. تنسيق ادارة الموارد المائية المشتركة مع دول الجوار ضمن اتفاقيات مدروسة ومشاريع مشتركة تحفظ للاردن حقوقة المائية وتساعد في تنمية التعاون الثنائي والاقليمي لتحقيق مصلحة الاردن على كافة المستويات.
هذا غيض من فيض وكلي ثقة ان هناك العديد من الخبراء الاكفاء في الاردن القادرين على صياغة وتنفيذ مثل هذه الاستراتيجيات المتكاملة. والله الموفق.
* الكاتب خبير دولي في المياه - منظمة اليونسكو-القاهرة
weshah11@yahoo.com