عمون - كالعادة إنهالت وسائل الاعلام المختلفة بالثناء الكبير على رئيس الحكومة الجديدة من دون الانتظار الى ان يقسم اليمين الدستورية او معرفة فريقه الوزاري اوقراءة او سماع او التدقيق في كتاب الرد, وتلك سمة اعتاد الاعلاميون اتباعها مع جميع رؤساء الحكومات بلا استثناء.
الظرف الراهن في حقيقته غاية في الصعوبة على جميع الاصعدة خاصة الاقتصادية منها, بدا هذا واضحا في كتاب التكليف. لذلك فان التركيز مطلوب اليوم لمواجهة التحديات والنهوض بمستوى الاردنيين المعيشي وتعزيز تنافسية الاقتصاد بتحفيزه بوسائل قابلة للديمومة, ومعالجة الاختلالات التراكمية, والابتعاد عن مديح وتضليل رئيس الحكومة الجديد بعدم وجود مشاكل وان الامور تسير بشكل يسير, والحقيقة ان هذا تزوير للواقع, ولو كان ذلك صحيحا فلماذا تغيرت الحكومة?
يعلم الجميع ان الصعوبات التي يعاني منها الاقتصاد الاردني جزء منها مزمن منذ عقود وبعضها جديد بفعل تداعيات الازمة العالمية, ولمواجهة تلك التحديات فان الامر يتطلب تصحيحا جذريا يستند الى برنامج عمل وطني يحدد اولويات التنمية القادرة على تحفيز الاقتصاد بشكل تدريجي, وبداية التصحيح لمن يبحث عن حلول للازمة الاقتصادية الراهنة بايجاد فريق اقتصادي يعي ويفهم حقيقة التطورات الاقتصادية الدولية والعالمية ومدى انعكاسها على الاقتصاد الاردني, ومواصفات ذلك الفريق ليست بالمستحيلة, لان طبيعة وخصوصية المجتمع والاقتصاد الاردني يتطلبان اشخاصا يدركانهما لان ادارة الاقتصاد في النهاية ليست مثل ادارة مصنع "كارتون", فالمسألة تتطلب رجال فكر واقتصاد لا رجال اعمال.
الاصلاح الاقتصادي يتطلب من الفريق الحكومي احترام القوانين خاصة الموازنة العامة التي اعتاد السادة الوزراء مخالفتها, كما ان المطلوب ايضا ان تكون هناك حزمة قوانين عصرية للتحفيز الاقتصادي في الضريبة والاستثمار لا ان تُسقط على المجتمع الاردني مشاريع قوانين بالمظلات تحت شعار الاصلاح وهي في حقيقتها ترجمات غربية تخدم قطاعا معينا.
للخروج من الازمة لا بد ان يكون هناك حوار فاعل وحقيقي مع القطاع الخاص والتباحث معه لايجاد شبكة حلول تنشط اعماله وتخلق فرص عمل جديدة لا ان يتم وضع الرؤوس في الرمال مثل النعام ونقول لا توجد ازمة, فالدول اليوم التي بدأت اقتصادياتها تتعافى تدريجيا تحركت سريعا على جميع الاصعدة في الوقت الذي كانت فيه حكومتنا تتغنى ببركات الازمة.
اعضاء الحكومة هم من يملكون الحلول لا الكتاب والصحافيين, فالاعلام وظيفته تنبيه الحكومة على قضايا يعتقد انها تستحق المتابعة ويقدم مقترحات بحكم خبرته ورصده للتطورات قابلة للنقاش, وليس مطلوبا منه التغني والتزمير, وقديما قيل "من حَذّرك كَمَنَ بَشّرك", ومن اصفر وجهه من النصيحة اسود وجهه من الفضيحة".
وفي النهاية لدى الحكومة الجديدة تجارب سابقة مليئة بالدروس والعبر خاصة من سابقاتها, ولا بد لنا ان نشيد الى الدور الكبير الذي لعبه رئيس الوزراء السابق نادر الذهبي في خلال العامين الماضيين في تحقيق الامن والاستقرار المعيشي للاردنيين ومواجهة كابوس الاسعار والتحرك وان كان متأخرا في مواجهة تداعيات الازمة على الاقتصاد الوطني, وفي اعتقادي انه لو كان حوله من وزراء الاقتصاد من يملك روح العمل التي يملكها هو لكان الانجاز اكبر مما تحقق لكن لا يفيد اليوم الكلام, المهم ان تعي الحكومة الجديدة اخطاء من سبقوها, وهذا لا يتم الا بوحدة فريق العمل وتجانسه.
على الرئيس الجديد ان يكون على يقين تام بأن هؤلاء المادحين هم انفسهم سيكونون الشامتين والناقدين عند رفض اول طلب لهم وبعد اشهر قليلة في عهد الحكومة.0"العرب اليوم"