الصندوق الوطني للاستثمارات الخارجية
د. سامر إبراهيم المفلح
21-12-2019 10:25 PM
لم تحقق نتائج النمو الحقيقية للناتج المحلي الإجمالي في المملكة مستويات مرتفعة خلال السنوات القليلة الماضية، وقد يُعزى ذلك لأسباب متعددة منها ما هو خارجي مرتبط بالظروف الإقليمية المحيطة، ومنها ما هو داخلي مرتبط بالسياسات المالية والنقدية المُتّبعة ووضع المالية العامة للدولة، وغيرها من التحديات المتعددة.
وكما هو معروف اقتصاديًا فإن أحد الأساليب لقياس حجم الإنتاج الاقتصادي لدولة ما، يكون من خلال احتساب الناتج القومي الإجمالي "Gross National Income" المُختلف عن الناتج المحلي الإجمالي "Gross Domestic Product" الذي يقيس قيمة الخدمات والسلع المنتجة من الموارد المملوكة محليًا حتى وإن كانت خارج الدولة، بينما يقيس الناتج المحلي الإجمالي قيمة السلع والخدمات المنتجة من الموارد الموجودة محليًا حتى وإن كانت مملوكة لأجانب، ولهذا فإن من الطرق العملية لزيادة الناتج القومي الإجمالي هي بزيادة الاستثمارات المملوكة محليًا خارج الدولة.
بعض دول العالم والتي لها صناديق وطنية أو سيادية تستثمر خارج بلادها بحثًا عن فرص استثمارية قد تكون مجدية خارج اقتصادها، ولهذا أبعاد استراتيجية متعلقة بالحصول على التكنولوجيا غير المتوفرة داخل الدولة، وتقليل المخاطر بتنويع الاستثمار في بلدان وأسواق مختلفة، فإذا شهد الوضع الاقتصادي داخل الدولة تراجعًا تكون هناك خارج الدولة استثمارات تحقق نتائج جيدة في دول تشهد قطاعاتها الاقتصادية نموًا متزايدًا، وتُساهم الاستثمارات الخارجية في التأثير السياسي، وغيرها من الأسباب.
أيضًا تسعى الدول من خلال الاستثمارات الخارجية تحقيق التكاملية مع بعض القطاعات الاقتصادية المحلية التي يقوم عليها اقتصاد الدولة، مما يعزز التنافسية الدولية ويزيد من القيمة المضافة والربحية لشركاتها وصناعاتها الوطنية، استراتيجيًا تُعرف هذه المُمارسة بالاستفادة من شبكة القيمة "Value Network" والتي من خلالها يمكن تحديد التوزيع الأمثل للموارد والاستثمارات جغرافيًا في سلسلة الصناعات المُرتبطة بمادة أو قطاع محدد، ابتداءً من تصنيع وإنتاج المواد الأولية وانتهاء بالنشاط التجاري ببيع المنتجات المتخصصة.
إذ إنه ومن خلال شبكة القيمة يُصار إلى تحديد مكامن زيادة الربحية والتي قد تكون في التصنيع الأولي، أو في التصنيع المُتخصص وخلق القيمة المضافة، أو في التصدير، أو التوزيع أو البيع، ولهذا فإن دولة منتجة للنفط مثلًا ستكون مهتمة بالاستثمار في شركات عالمية رائدة في الصناعات البتروكيماوية لتعظيم القيمة المضافة لمنتجاتها وربحيتها، ودولة يحظى قطاع السياحة فيها بميز تنافسية قد يشكل الاستثمار في شركات السياحة الدولية فوائد جمة لها.
بلدان أخرى أسّست صناديق استثمارية خاصة بالمغتربين من مواطنيها، كما أن الدول التي تنشط فيها البنوك والشركات الاستثمارية توفر فرصًا استثمارية للمهتمين خارج حدودها، وفي المملكة اليوم يوجد عدد من الخصائص التي قد تستدعي دراسة فكرة إنشاء صندوق وطني للاستثمارات الخارجية، لعل من أهمها وجود عدد كبير من المغتربين الأردنيين، منهم مستثمرون ورجال أعمال، ووجود العديد من الصناعات التعدينية الأساسية والقطاعات ذات الميز التنافسية والتي يمكن تعظيم ربحيتها من خلال التكامل الأفقي الأمامي "Forward Integration"، كما أن هناك تكدسًا في سيولة الموجودات لبعض الجهات الاستثمارية المحلية.
ولفكرة الصندوق الاستثماري المُقترح للاستثمارات الخارجية أن يكون برأسمال مشترك ما بين مختلف الجهات التي قد تكون مهتمة في المساهمة، كالحكومة الأردنية عبر مساهمة مباشرة أو من خلال تملّك بعض مؤسساتها حصة في رأسمال الصندوق، وكذلك المغتربون ورجال الأعمال الأردنيون، وصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي في حال رغب بذلك، والصناديق التقاعدية والادخارية المختلفة، والشركات الاستثمارية والبنوك وشركات المساهمة العامة التي تسمح غاياتها بذلك.
ولهذا الصندوق أن يوفر الأداة المناسبة لخلق النافذة العملية للاستثمارات الخارجية التي تمكّن العديد من المؤسسات التي يوجد لديها تخوفات من الذهاب خارجيًا للاستثمار وحدها، بحيث تساهم الجهات المهتمة بسقوف محددة في رأسمال الصندوق المُقترح ليكون إحدى المنصات للاستثمار الاستراتيجي خارج الدولة بشكل يعود عليها بفوائد ربحية أولًا، ويعزز التنافسية الاقتصادية للشركات والقطاعات الوطنية أيضًا.
إن المضي قدمًا بهذا المُقترح سيستوجب أيضًا إيجاد إطار الحوكمة المناسبة لإدارة هذا الصندوق، مع وضع السياسات الاستثمارية المناسبة التي تكفل التوزيع المناسب للأدوات الاستثمارية والأسواق والقطاعات المستهدفة بحيث تكون نتائج استثماراته دومًا مجدية، بالتزامن مع مساهمة هذه الاستثمارات في تحقيق التقدم والتنافسية للاقتصاد الوطني وزيادة الناتج القومي الإجمالي.