ما بين أثير وتأثير اتخاذ القرار !
الدكتور ابراهيم العابد العبادي
19-12-2019 01:37 PM
يشكل اتخاذ القرار جوهر العملية الإدارية، ويرتبط بكافة وظائف الإدارة المتعارف عليها، كما يعتبر محور عمل ومهام الادارة، لكن هناك ثمة خلط لدى الكثير، وهنا يجب التفريق بين مفهومين يشكلان معاً ما يسمى نظرية القرار، التي تجمع بين علوم النفس والإحصاء والفلسفة والرياضيات لتحليل عملية صنع القرار Decision Making، والتي تشكل الشق اول من النظرية، فيما الشق الثاني هو اتخاذ القرار Decision Taking.
فصنع القرار عمليّة ديناميكية تتم وفق مراحل، تبدأ بالتصميم وتنتهي باتخاذ القرار، ومن أبرز خصائصها أو سماتها التسلسل المنطقي..... فاتخاذ القرار هو الخلاصة التي يتوصّل إليها صانع القرار بعد جمع المعلومات والأفكار حول مشكلة ما أو واقع معين...الخ، وإيجاد عدد من البدائل والحلول، حيث إنّ عملية اتخاذ القرار هي اختيار الحل الأمثل بين مجموعة من القرارات تم صنعها من قبل اشخاص او شخص مخوّل بذلك....ومن الوسائل المستخدمة في هذا الشأن على سبيل المثال ما يسمى بمفهوم العصف الفكري او الذهني Brainstorming،...
نظرية القرار بشقيها تشغل فكر العلماء والمهتمين والمختصين بعلوم الادارة والاجتماع والنفس والعلوم السياسية، وينبع هذا الاهتمام من منظورين رئيسيين، أكاديمي ومجتمعي، الأكاديمي يتمثل بمحدودية الدراسات الاجتماعية العميقة والتفصيلية الباحثة في هذا الشأن، في حين يتمثل المنظور المجتمعي في أهمية هذا الأمر بالنسبة للقائمين على أمر المجتمع وإدارة مفاصله من قادة ومسؤولين وغيرهم.. في ظل ظروف تتطلب التسارع لمواكبة التطوير والتحديث والسعي نحو التنمية المستدامة الحقيقية للمجتمعات... بشكل عام تتخذ القرارات إزاء مواقف محددة ولمواجهة صعوبات مختلفة وللتعامل مع ظروف معينة في حالات التأكد أو عدم التأكد...الخ، ويكون ذلك على المستوى الفردي الشخصي للإنسان الاعتيادي أو الجماعي، وكذلك على المستوى المؤسسي للمنظمات والحكومات وغيرها... كما إن القرار قد يعتبر من قبل البعض أو من قبل جهات تختلف أو تتفق مع صيغة وفحوى القرار، باعتباره أحد مظاهر وأنشطة وامتيازات السلطة التي تتمتع بها الإدارة أو الحكومات التي تدير البلاد وتستمدها من تطويع مواد القانون والأنظمة والتعليمات، وبما يتوافق مع نصوص التشريعات والاجراءات الرسمية، وعبر أجهزة وأدوات السلطات التشريعية والتنفيذية، ومن خلال المجالس المحلية والبرلمانية، وعليه يتم تمكين الإدارة من فرض نفوذها وسيطرتها وتحديد وتوجيه وتسخير الامكانيات لتحقيق الاهداف المنشودة. والتي قد تكون على تماس مباشر بحياة المجتمع، وقد تتحقق أو لا تتحقق المنفعة العامة.
في ضوء ما تقدم تظهر معادلة أثير وتأثير اتخاذ القرار، فالمجتمع وأفراده يرتقبون الحصول على قرارات بعيدة عن مفهوم الأثير باعتباره مادة افترضها أحد علماء الفيزياء (ماكسويل) في نظريته الشهيرة، موجودة حسب قوله في كل مكان حتى في الفضاء تنتقل عبرها الطاقة الكهرومغناطيسية تماماً كما ينتقل الصوت في الهواء...أي انه وسط افتراضيّ يعمّ الكون ويتخلّل جميع أجزائه...بل تسعى المجتمعات للحصول على التأثير...الناجم عن احساس حقيقي واقعي يُحْدثُه عامِلٌ او موقف ما.. significant influence ذو تأثير سحريّ قويّ المفعول.. وليس تأثير جانبي سلبي كما يفعل الدواء ونحوه....وأستذكر هنا قول الشاعر عبد المحسن الكاظمي : من أخلصَ النياتِ كان لقولِه ... وَقْعٌ وكان لفعلِه تأثيرُ.
عملية اتخاذ القرار تتطلب استخدام مهارات التفكير المثلى ومنها (التحليل، والاستقراء، والتقويم، والاستنباط)... فاتخاذ القرار يعتبر إحدى عمليات التفكير المركبة، إلى جانب مهارات التفكير الإبداعي والتفكير الناقد، وتعتبر عملية اتخاذ القرار من أكثر المهارات أهمية في حياة الافراد والشعوب تستند إلى معرفة ومعتقدات صريحة أو ضمنية ...ويترتب عليه الوصول الى حل مثالي أو مُّرضي على الأقل. ولذلك توصف كونها عملية قد تكون عقلانية أو غير ذلك.. فهناك العديد من الأساليب التي يمكن أن تسفر عن نتائج مختلفة جدًا ومغايرة تماما عندما يتم تطبيقها على نفس البيانات المستخدمة، وهذا يؤدي إلى صياغة مفارقة اتخاذ القرار.....وقد أظهرت العديد من الدراسات ومنها بينها جامعة كولورادو أن البيئات أكثر تعقيدا ترتبط مع وظيفة إدراكية أعلى، مما يعني أن القرار يمكن أن يتأثر بالموقع، كما أن بيئة صانع القرار تلعب دورًا في عملية اتخاذ القرار.
من الاهمية أن يتم التفريق بين تحليل المشكلة وصنع القرار، فتحليل المشكلة يجب أن يتم أولًا، حتى يمكن استخدام المعلومات التي يتم جمعها في تلك العملية في عملية اتخاذ القرار....لذا فان هناك خصائص لاتخاذ القرار اهمها ( تحديد الاهداف، وتصنيفها ووضعها حسب الأهمية، وضع إجراءات بديلة، وتقييم البدائل مقابل جميع الأهداف، واعتبار البديل القادر على تحقيق جميع الأهداف هو القرار التجريبي، ومن ثم تقييم القرار التجريبي لمزيد من العواقب المحتملة... ثم تنفيذ القرار ومتابعته) وذلك ما يؤدي الى اتخاذ القرار الصائب (Perfect Decisions).
فهل اصبحت قراراتنا ذات بعد أثيري يملئ فراغنا وعالمنا الافتراضي...دون إحداث تأثيري حقيقي في واقعنا المعيشي المتردي ادارياً واقتصادياً وفكرياً واجتماعياً....حتى عالم وسائل التواصل الاجتماعي واسع الانتشار في زمننا هذا، أصبح مجرد أثير فارغ المضمون يحمل في طياته النفاق والتسحيج والتهليل والتطبيل، ولا يقدم أي فكر يخدم المجتمع... السؤال الذي يطرح نفسه وللتفكير...هل لنظرية القرار بشقيها صنع واتخاذ القرار في حياتنا أثير ام تأثير؟ فإن كان أثير الى متى سيستمر؟ ...وان كان تأثير...فهل هو ايجابي أو سلبي؟...حمى الله الوطن، حمى الله الأردن وابناء الأردن.