تصويت أممي لافت وتاريخي جدد للوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين التي تقدم الرعاية الصحية والتعليمية لما يقارب خمسة ملايين لاجئ داخل وخارج الاراضي المحتلة وغزة. التصويت ذو بعد إنساني بائن فلولا الوكالة لعانى ملايين الفلسطينيين صحيا وتعليميا ومعيشيا، لكن انعكاسات ذلك تتجاوز الإنساني لأن هذه الفئة الكريمة من اللاجئين ستكون عرضة للجذب والاستقطاب من قبل جهات أيديولوجية عديدة ستستغل ظروفها الانسانية وقهرها السياسي.
البعد الانساني ليس أهم رسائل التصويت على أهميته وحساسيته. البعد السياسي أكثر اهمية يذكرنا تماما بمشهد وقوف بريطانيا مع حكومة جنوب إفريقيا العنصرية في كفة والعالم بأسره بما في ذلك الولايات المتحدة الاميركية في كفة أخرى. صمدت بريطانيا لفترة وتعندت في التنازل عن موقفها، وفي لحظة مكاشفة سياسية تاريخية أدركت أن هذا الموقف لا يمكن الدفاع عنه وأن منظومة القيم السياسية والقانونية الدولية أقوى ولا تسمح بدعم أنظمة عنصرية كذلك الجنوب الإفريقي البائد. احترم العالم تراجع بريطانيا عن دعمها لجنوب إفريقيا العنصرية واعتبر ذلك موقفا طبيعيا متوقعا. الولايات المتحدة في ذلك الزمان فرضت عقوبات على شركاتها وأخرى دولية اذا ما تعاملت مع نظام جنوب إفريقيا العنصري.
سياسات الادارة الاميركية الحالية بوقوفها مع إسرائيل بكفة وتصويت باقي دول العالم بكفة أخرى، رسالة صارخة لصناع القرار في أميركا. التصويت ليس فقط تعبيرا عن إسناد لقضية اللاجئ الفلسطيني العادلة، بل أيضاً تصويت ضد أميركا وانحيازها، وتشكيك بقياديتها لقضايا الامن والسلم الدوليين، والاهم، رسالة واضحة أن وقف الدعم المالي الاميركي ليس نهاية الدنيا فثمة بالفعل أشياء وقيم لا يستطيع المال شراءها وهذه للمفارقة من أهم القيم المجتمعية الاميركية. 167 دولة صوتت لقرار التمديد للأونروا، وسبع دول فقط امتنعت عن التصويت، وصوت ضد القرار أميركا وإسرائيل وحدهما. التصويت يعني سياسياً عزلة أميركا وإسرائيل عن منظومة القيم والمبادئ السياسية والقانونية العالمية، واستمرار باقي دول العالم باحترامها. مسألة اللاجئين ورمزية الوكالة التي تمثلها مسألة حق يقف العالم معه، لن تستطيع لا أميركا بقوتها وضغوطها ولا إسرائيل بحجم التعاطف الدولي معها أن تقف بوجهها. لم تقبل دول العالم التي تحترم منظومة القيم الانسانية والقانون الدولي الانساني أن تصوت ضد التمديد لمنظمة معنية بإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وقضيتهم العادلة. حتى الدول المتعاطفة والصديقة لإسرائيل لا تقبل هذا الانحياز الصارخ ضد العدالة.
لنا في الاردن موقف وطني سيادي خاص تجاه هذا الامر ليس فقط لعدالته القومية والانسانية، ولكن لأننا الدولة التي تحتضن جل اللاجئين الفلسطينيين وغالبية هؤلاء مواطنون أردنيون يحملون ويحافظون على صفة اللجوء. من هذه المنطلقات السيادية يتمسك الأردن وبشدة بحل عادل متفاوض عليه لمسألة اللجوء تماما كما هو الاجماع العربي في مبادرة السلام العربية العاقلة والوازنة التي أقرتها الدول العربية في مؤتمر القمة في بيروت العام 2002.
(الغد)