إسرائيل تعد وثيقة للأمن القومي
د. عبدالله صوالحة
18-12-2019 03:43 PM
على غرار الولايات المتحدة الامريكية يسعى قادة أمنيون وعسكريون كبار لحث اسرائيل على تبني وصياغة استراتيجية للأمن القومي كتلك المعمول بها في الولايات المتحدة وتنطلق هذه المبادرة من مفهوم أن الخبرات العسكرية والأمنية في إسرائيل استقرت للسنوات الثلاثة عشر الماضية أي منذ حرب لبنان 2006 وأن هذا الاستقرار يتطلب صياغة ومأسسة وثيقة محددة الأهداف والرؤى تكون ملزمة للقيادة السياسية.
كما تنطلق هذه المبادرة من فكرة أن اسرائيل طيلة العقود السابقة افتقرت لاستراتيجية أمنية مكتوبة وخلال هذه الفترة قام المستوى الأمني والمستوى السياسي باتخاذ قرارات استراتيجية كبيرة وخطيرة دون وجود إطار مفاهيمي رسمي يحدد أهداف الأمن القومي كما يراها المبادرون لهذه الوثيقة.
وتقترح هذه الوثيقة عدة عناصر رئيسية أهمها كيفية تصرف المستويات العسكرية والأمنية في ثلاث حالات، حالة الهدوء، حالة الطوارئ، وحالة الحرب، العنصر الأخر في هذه الوثيقة هو تصنيف التهديدات التي تواجه اسرائيل حيث يرى مطلقو هذه المبادرة أنه نشأ في الشرق الاوسط واقع جديد تم على اثره تقسيم هذه التهديدات الى أربعة أقسام هي: التهديدات التقليدية المتمثّلة بالجيوش النظامية للدول، التهديدات غير التقليدية المتمثّلة بالأسلحة النووية والبيولوجية والكيماوية، والتهديدات دون التقليدية مثل المنظمات المسلحة حزب الله وفيلق القدس الايراني وحماس وداعش، والقسم الرابع هي التهديدات في مجال الأمن السيبراني.
وفِي الجانب العملياتي تطور الوثيقة بعداً جديدا يضاف إلى الأبعاد التقليدية المعروفة: الاستعداد للحرب أو الدخول في الحرب ، هذا البعد الجديد هو عمل وقائي لا يرقى الى مستوى الحرب ولكن يعمل على منع وقوع التهديدات يطلق عليه مصطلح " الحملة بين الحروب " ويقوم هذا المفهوم الجديد حسب القائمين عليه على اتخاذ إجراءات هجومية استباقية تستند الى معلومات استخبارية عالية الدقة وجهود سرية تؤدي إلى تأخير نشوب الحرب والردع وإلحاق أضرار بقدرات الأعداء المحتملين .
وفي هذا الإطار ترى الوثيقة أن معظم التحديات الامنية التي تواجهها اسرائيل تنبع من تهديد واحد وهو مطامع الهيمنة والنفوذ الإيراني في الشرق الأوسط ، ويعتبر نشاط إيران النووي العسكري أحد هذه الأخطار، لكن ايضا يضاف اليها مساعي ايران لنشر الأسلحة وبناء محاور نفوذ في كلا من اليمن والعراق وسوريا ولبنان ، كما يضاف الى ذلك سعي ايران الى تحسين منظومتها من الصواريخ الدقيقة ونقل هذه الصواريخ الى ميليشيات شيعية في المنطقة.
ولا تغفل هذه الوثيقة العامل الجغرافي الذي اعتبرته نقطة ضعف وعاملا حاسما في استراتيجية الأمن القومي حيث يرى واضعو هذه الوثيقة أن معظم سكان اسرائيل والبنية التحتية الحيوية تتمركز ضمن القسم الضيق من السهل الساحلي وهذا الجزء الذي يعتبر الأكثر أهمية في الدولة معرض لتهديد دائم من أنواع مختلفة من صواريخ أرض - أرض القادرة على تعطيل الحياة اليومية للسكان بشكل كبير وإلحاق الضرر بالمنشآت الحيوية وإعاقة تعبئة الوحدات الاحتياطية وعرقلة تحركات القوات من مختلف المناطق .
وأخيرا هناك ملاحظتين على هذه الوثيقة اولا: انها تطرح في وقت تصاب فيه اسرائيل بشلل سياسي نتيجة عدم وجود حكومة وتكرر عمليات الانتخاب التي لا تفضي إلى اي تغيير في بنية النظام السياسي الحزبي والانتخابي ، والملاحظة الثانية أن هذه الوثيقة ربما تواجه معارضة من المستوى السياسي لأنه إذا ما تم طرحها وإقرارها لاحقا من الكنيست ستصبح ملزمة للقيادة السياسية و تحد من هامش حرية وحركة السياسيين الذين قد يلجأون أحيانا لاتخاذ قرارات عسكرية لأهداف سياسية وحزبية داخلية .
Mutaz876@gmail.com