قبل عدة ايام اضاءت بلدية ام الجمال شجرة عيد الميلاد احتفالا بميلاد السيد المسيح , حيث احتفلت هذه المدينة التاريخية الصحراوية في محافظة المفرق بهذه المناسبة التاريخية التي لم تكن سابقة على الصعيد الوطني الاردني فحسب , بل كانت سابقة تاريخية عالمية كاول مدينة في العالم يعتنق اهلها الدين الاسلامي تضيئ شجرة الميلاد وتحتفل بميلاد السيد المسيح.
اضاءة شجرة الميلاد من قبل اهلنا في البادية الشمالية ليس بغريب ,بل كان تجسيد عملي لما يتمتع به الانسان الاردني من صفات انسانية وحضارية متوارثة عبر الاجيال . فلم يطلق على الاردنيين اهل النخوة والشهامة جزافا , بل كان لها اسباب تاريخية , حيث اجتاز الانسان الاردني بامتياز كل امتحانات الازمنة التاريخية, بسبب حكمة وانسانية الاجداد امن اهل البادية الشماء.
فالاجداد الاولين هم من كتبوا وعملوا بالقضاء العشائري حتى يومنا هذا ,وما زال هذا القضاء العشائري رديفا للقضاء المدني وصالحا لكل زمان ومكان , لانه يرتكز على مبداء انساني اساسي ,وهو المصالحة بين اطراف النزاع ,وهو ما يطلق عليه في قواميس القانون Mediation , وهو البديل الاخر عن المحاكم Alternative Dispute Resolution اي الحلول البديلة لفض النزاعات . نعم لم يقتبس الاجداد من احد هذه الطرق السلمية البديلة في حل النزاعات فيما بينهم في الماضي , بل تحسب لهم وهي دليل على حكمتهم والتي ما زالت تعتبر من اهم وسائل البقاء والاستمرارية وطوق للنجاة , في منطقة ما زالت ملتهبة وملطخة بالدماء , بسبب عدم قبول الاخر .
فبعض ما يحكى من قصص من تراثنا المحكي الاردني التي يتناقلها الاهل في الكرك الشماء , تدل على ان ماضي الاردنيين ناصع البياض ويستحق ذكرها ,وها هي ام الجمال بدورها اخذت الريادة في تاكيد تاريخ الماضي والحاضر الاردني الحضاري المشرف . فعندما وقع الاردن تحت الحكم العثماني ,كان الشقيق الاخر المسلم يداري على مكان عبادة الاردني المسيحي خوفا من البطش العثماني , وكما ذكر ايضا عندما هم المسيحيين في قرية ادر في محافظة الكرك في بناء كنيسة لهم , قام احد شيوخ عشيرة المعايطة الكرام وعلى سبيل المزاح بالقول قوموا ببناء الكنيسة وحنا علينا الخوري .
الاردني تاريخه وحاضره ناصع ومشرف , فاغاثة المستغيث , ونصرة المستضعفين واجارة المستجير كلها صفات الانسان الاردني , الذي استقبل وبكل صدر رحب الملايين من اللاجئين والمشردين والمضطهدين دينيا او عرقيا عبر عشرات السنين , ليصبحوا مواطنيين اردنيين بكل ما تحمل الكلمة من معاني .
عكست بلدية ام الجمال صورة الاسلام الحقيقية السمحة التي شوهتها عصابة داعش الارهابية , التي ارتكبت ابشع الجرائم في حق الانسانية وهدمت التراث الانساني الحضاري في العراق وسوريا, ومن هذا المنبر ادعوا الجميع لدعم بلدية ام الجمال لادراجها ضمن قائمة التراث العالمي , وادعوا كذلك قداسة بابا الفاتيكان بتكريمها , لان رسالتها لها معاني انسانية وعالمية عميقة ويجدر تخليدها لتكون نموذجا عالميا يحتذى به.