سيرة الراحل الملك الحسين بن طلال (طيب الله ثراه) هي إحدى تلك السير الفريدة من نوعها، كونها لا توثق لحياة ملك وحسب، بل توثق لتاريخ شعب ومراحل حياة أمة، وتوثق لتاريخ الأفكار التي سادت وتعاطيه (طيب الله ثراه) معها بإتزانٍ وحكمةٍ أفضت إلى نهضة وطنٍ بالرغم من النوازل التي ألمت بالأمة.
فكثير من السير التي تطرق لها المؤرخون الكتاب تمتاز أنها توثق لشخصٍ ولحقبٍ زمنية، وتتبع أيضاً، تاريخ الأفكار ونشأتها وتعاطي المجتمعات معها وأحياناً حيويتها فأفولها والمراحل التي تلتها.
لذا، فإن كتاب هذه السير يكون الأكثر إدراكاً لأهمية كتابة سير السياسيين والقادة، خاصة الألمعيين منهم، والذين حفلت يومياتهم بتفاصيل ذات ارتباط بالشعوب وأحداثها البارزة.
فسيرة الحسين شاهدةٌ على "الحكمة" في مراحل كانت فيها الأيديولوجيا القومية تتطرف في تعاطيها مع الفكرة، وترى "صوابية " وجهة نظرها على حساب الآخر، وحكمة الحسين (طيب الله ثراه) برزت باكراً مع تسلمه سلطاته الدستورية مطلع عقد خمسينات القرن الماضي، في ذلك الزمان حيث كانت القومية تصعد بأطروحاتها "المؤدلجة" بينما صان الوطن من تبعاتها؛ والتي أفضت إلى نكسة 1967م.
فبالرغم مما سجلته هذه النكسة من "هزيمة" في الذهنية العربية، إلا أنها تمثل شاهداً على أنه كان يمتلك زمام "الحكمة" التي افتقدها قادة وزعماء أخذوا حيزاً كبيراً في الوعي العربي.
كما أن الملك الحسين (طيب الله ثراه) صاغ للأردن تجربة تنموية تجاوزت أبعادها حدود المكان إلى الإنسان، إذ ما شهده الأردن من نقلةٍ نوعيةٍ، خاصة، في بلد امتاز حتى سبعينات القرن الماضي بأنه ذو وجه "ريفي" ونقله إلى الحداثة من بوابة التعليم، وفي زمانٍ كانت فيه الدول تمتلك مواردها إلا أنه صاغ أسلوبه الخاص، معتمداً على الإنسان الأردني لا سواه.
هذه الثوابت الداخلية، نجحت في صياغة علاقة فريدةٍ بين القائد وشعبه، ورسخت ثوابت العلاقة بين الشعب والقيادة، بما عبر عنه مواقفه (طيب الله ثراه) التي تجلت في ما مرت به المنطقة من أحداث حرب الخليج الأولى والثانية، وصولاً إلى تضمينه مفردة السلام، كخطابٍ واقعي لا يبقى ضمن مساحة الخيال الجمعي وحده.
ونجح (طيب الله ثراه) في التعبير عن هذا الخطاب ووضع مداميك له، ما زالت لليوم هي المعيار عند الحديث عن المعايير السليمة لعملية السلام، ونجح في خلق صورةٍ حقيقية لدى الغرب عن الشخصية العربية الإسلامية وما تمتلكه من سماتٍ تتناقض وما يروج له أعداء العرب، فهذا اختراق للعقلية الغربية تجاوز المؤسسة الغربية السياسية إلى الشعوب التي رأت نموذجاً "حكيماً" ومحباً للسلام، على خلاف الصورة النمطية التي سادت في ذهنه لعقودٍ سابقة.
وباتت حاضرة الأردن عمان، ليست جغرافيا وحسب، بل هي دلالاتٌ لدور المدينة العربية في ما مر به ذلك الزمان العربي من نكباتٍ وويلاتٍ، فباتت دار العروبة وبيت الإسلام.
وكانت "جنازة الحسين" تعبر عن وزن قائدٍ عز نظيره في المنطقة، وفي التاريخ المعاصر.
واليوم، وأمام زخم هذه السيرة فإننا أحوج ما نكون إلى خلاصاتها، وإلى تقديمها للقارئ وللأجيال الحالية والمقبلة، ففيها خلاصات الحكمة الأردنية، التي ما زالت راسخة في الحُكم الهاشمي.
والتصدي لكتابة هذه السيرة بحاجة إلى باحثين قادرون على صياغتها بشكلٍ يليق بها كإرثٍ أردنيٍ هاشمي، يعبر عن مقدرة الأردن على صياغة الدور والحجم والوزن السياسي.
فسيرة الملك الحسين بن طلال هي سيرة التاريخ..الذى سعى الى أن يوثقه بكل تفاصيله فقد كتب عدد من الكتب تحدث بها عن نفسه وعن ألاحداث التي مر بها الاردن والاقليم والعالم فعند الحديث عن توثيق هذه المرحلة نجد أن الحسين موجود في كل المكتبات ومراكز التوثيق العالمية فهو من رجالات العالم الذين كانت تلاحقهم أقلام كبار الكتاب والصحف وكافة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة إذ سعى الحسين الى بناء سيرة رصينة موثقة تليق بالاعمال التي قام بها وما بذلها لأجل شعبه وأمته والأنسانية.
واليوم، فإن التوثيق وجمع أوراق الملك الحسين بن طلال وتقديمها إلى القارئ والأجيال الحاضرة المقبلة وبأسلوب تاريخي عصري هو جزء من الوفاء لسيرة وطننا.