وسط أجواء إيجابية مُتفائلة، تخللتها ابتسامات ودية مُتبادلة، سبقتها تطلعات وآمال الملايين من أبناء الخليج، وخاصة المُغردين المترقبين انفراجة مُثمرة، انعقدت القمة الخليجية الأربعون في الرياض، لتصدر بيانها الختامي، مُتضمناً عزم قادة الخليج على مُواجهة التحديات المحيطة بالخليج، وأهمها في تصوري تحديان: رأب الصدع الداخلي، ومُواجهة النفوذ الإيراني.
محللون ومغردون كُثر تساءلوا منتقدين: البيان الختامي إذ غلبت عليه الصياغة الإنشائية الجميلة، لكنه لم يتعرض لأهم تحدٍ يُهدد وحدة الخليج (الوضع المتأزم بين قطر والدول الأربعة)؟!
هم محقون، فالجرح عميق، والخطب جسيم، لكن لي وجهة نظر أخرى، إذ أرى في هذه القمة وبيانها، انعطافة مُهمة في حلحلة الوضع المتأزم، وبارقة أمل في احتواء الخلاف الخليجي الذي طال، وإن كان بشكل غير مُباشر، ومن يُحلل البيان الختامي ويتفحص بنوده، يخرج بنتيجة واحدة، أن الهم الأول لقادة الخليج، اليوم (إصلاح خلل ذات البين)
كلمة خادم الحرمين الشريفين من جهة، ومداخلة سُّمو أمير الكويت من جهة ثانية، وبنود البيان الختامي كلها، مؤكدات هادفة لعودة المجلس إلى مساره الصحيح.
فعندما تردد قاعة قصر الدرعية أصداء عبارات مثل:(وحدة الصف الخليجي في مواجهة التحديات) (الوقوف صفاً واحداً ضد التهديدات) (هناك عزم صادق من القادة على أن يظل المجلس كياناً مُتماسكاً ومُتكاملاً ومترابطاً وقادرا على مواجهة التحديات) (الوحدة الخليجية متماسكة وثابتة) (استكمال تنفيذ ما تبقى من خطوات التكامل الاقتصادي والمالي والنقدي وصولاً إلى المُواطنة الخليجية بحلول عام2025 ) وذلك بعد3 سنوات عجاف، شُل فيها العمل الخليجي المُشترك، فهذا لا يحمل إلا معنى واحداً، هو أنَّ المجلس قرر طَي صفحة الماضي، وتهميش الخلافات البينية وتجاوزها، وتغليب لُغة المصالح المشتركة، استشرافاً لخليج موحد وقوي، وذلك لسبب بدهي وبسيط، إذ لا يتصور تحقيق أي بند من بنود هذا البيان، إذا ظل الوضع المُتأزم على ما هو عليه، واستمر فرض الحصار أو المقاطعة على قطر!!
قوة المنظومة الخليجية، في وحدتها وتماسكها وتكاملها، هذه هي حكمة الآباء الخالدة التي أرادت القمة التذكير بها وتأكيدها، وهذا غير ممكن إذا لم يحل التأزم بين دولها.
لقد كان فرض الحصار أو المُقاطعة على الشعب القطري، لخلاف سياسي مع حكومته، خطأ جسيماً، ويبدو أنَّ الجميع اليوم، أدرك فداحة هذا القرار، الضيِّق الأفق، وما ترتب عليه من كوارث، وقد آن الأوان لاتخاذ الإجراءات التصحيحية، وأولها فتح المنافذ البرية والبحرية والجوية، إذ كيف نتحدَّث عن وحدة الصف الخليجي، والأبواب مُغلقة في وجه القطريين، لا يدخلون إلا بتصريح مُسبب ومشروط ؟!
لقد كان موقف قطر، خلال الأزمة إنسانياً مُتسقاً مع أهداف المجلس، إذ لم تعامل دول المقاطعة بالمثل، وظلت أبوابها مفتوحة لجميع الخليجيين، ودعت المقاطعين إلى كلمة سواء، ليس مقبولاً في عالم اليوم أن تقاطع أو تحاصر شعباً بأكمله، وترفض التفاوض! كما أنَّه ليس من المعقول أن تتحدث عن وحدة خليجية ووضعك متأزما!
لِنتناسى الخلافات، ولنتجاوز السيئات، ولنتسامى على الجراحات، استشرافاً لمُستقبل أفضل، ولنفيد من دروس الأزمة ما يحصننا من الانتكاس، فإنَّ ما يجمعنا أكثر مما يُفرقنا، نحن أهل الخليج ركاب سفينة واحدة، وأصحاب مصير مشترك واحد، إذا تمَّ خرق السفينة غرقنا جميعاً.
المصالحة، اليوم، ليست خياراً، التحديات والمخاطر المحيطة تفرضها فرضًا، وهذا مقتضى كلمة خادم الحرمين الشريفين من أن المنطقة تمر بتحديات ومخاطر تتطلب تكاتف الجهود في مواجهتها.
أخيراً: يبقى القول، إنِّه من حسن الوفاء إذا استبشرنا بما تحقق، أن ننسب الفضل إلى أهله، وهنا لابد من تثمين الجهود المُباركة لسُّمو أمير الكويت -حفظه الله تعالى- الذي عقد العزم على رأب الصدع، وهاهي جهوده تؤتي ثمارها بعون الله وتوفيقه.
عن الرؤية