أرقٌ شعبيٌّ وحكوميّ من ظاهرة باتت تتمدّد وتدور مع عملية الإنتخابات وجوداً وعدماً، لتشكّل مارداً يهدِّدُ فرص أصحاب الرّؤوس المفكّرة ويُصَعِّدُ فرص أصحاب رؤوس الأموال.
ونستطيع إختزال خَصم ومقتل هذا المال بـ «البرامجيّة»، ودليل هذا غيابه - المال - عن الانتخابات التي يغلب عليها الطابع المهنيّ كما هو الحال في النقابات.
وتحاصر الحيرة السُّلُطات والشّعب عند تخيُّر نقطة الإنطلاق في مفترق الطرق المؤدّي إلى وأدِ هذه الظاهرة، وستنتشر وتتمدّد ما دام السواد الأعظم من الجماهير لا يؤمن بفعالية المجالس النيابيّة رغم عدم صحة هذه الفرضيّة.
فقد شرّفتني وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية بإعداد كتيّب يعنى بتثقيف فئة الشباب بالبرلمان وإبراز عناصر قوته الدستوريّة سعياً نحو تشكيل مزاجٍ عامٍّ إيجابيّ وأدلجة طرق الإختيار،وهذا جزءٌ من منظومة متكاملة تسعى الحكومة إلى تنشيطها في سبيل مجابهة المال الفاسد وبلورة الوعي المُحدث للتغيير.
ورغم توفر العديد من وسائل مكافحة إنتشار المال الأسود إلّا أن بعضها سلاحٌ ذو حدّين بما يمنح من بطولة وهميّة لمن تُتَّخذ بحقّه إجراءات الملاحقة والضَّبط، وقد تسهم في تصويره كضحيّةٍ وكبش فداء فينال التعاطف تبعاً لذلك، ناهيك عما يفتحه هذا الباب من مجالٍ للكيديّة والمنافسة غير المشروعة.
وبالإمكان إعتماد بعض المعايير الشكليّة والموضوعيّة كتحديد سقف ماليّ للحملة الإنتخابية وإلزام المرشَّح بتقديم موازنة لها كما هو معمول به لدى بعض الأنظمة الشقيقة وحظر إستعمال بيانات شركات الإتّصالات أو الترويج للمرشّحين من خلالها وكذلك حظر التبرعات وتجريمها إذا كانت بإسم الحملات صراحة أو ضمناً.
لكنّ أنجع السّـبُل نحو تطهير الميدان الإنتخابيّ من المال الأسود يكمن بإبراز أثر الإختيار على حياة الشعوب وكيفية إنعكاس قدرات المرشحين على الواقع والمستقبل بعلاقة طرديّة، سلباً وإيجاباً.
وهنا يأتي دور المراكز المتخصصة وقاعدة بياناتها لتشخّص بحيادٍ قدرات المتنافسين ونتائج أعمال السابقين منهم بتكاملٍ مع الإعلام القادر على عقد المناظرات المُساعدة في المفاضلة كممارسة ديمقراطيةٍ مُستحدثةٍ تُكرّس لحياة سياسيّة متقدّمة، فالجميع في هذا الوطن الغالي مؤهَّلٌ ومسؤولٌ عن النهوض بالواقع السّياسيّ والذي هو أساس النهضة وعامودها.
الراي