استثمروا في أولادكم ولا تستثمروا لهم
د. محمد خير نوافلة
15-12-2019 04:55 PM
ضاعفوا الاستثمار في المؤنسات الغاليات؛ فهن نصف المجتمع
جميل أن نستثمر لأولادنا _ إن كان بمقدورنا فعل ذلك _ بغية مساعدتهم في التغلب على متاعب الحياة ومواجهة متطلباتها المتزايدة وتوفير حياة كريمة لهم في المستقبل، ولكن الأجمل أن نستثمر فيهم؛ إذ إن الاستثمار فيهم حتماً سيكون لأجلهم وسيمكّنهم من الاعتماد على أنفسهم في بناء ذواتهم وفي مواجهة متطلبات الحياة ومشاكلها بكل اقتدار، ولكن الاستثمار لهم ليس بالضرورة أن يكون استثماراً بهم أو أن يعود بالضرورة عليهم بالنفع والفائدة؛ إذ قد يكون سبباً في تكاسلهم وعدم جديتهم في إثبات الذات وبناء النفس وصنع مستقبل حافل بالإنجازات والنجاحات.
لذا؛ فعلينا كآباء وأولياء أمور أن نستثمر في أولادنا وأن نجتهد ونبذل قصارى جهودنا في ذلك منذ ولادتهم وحتى وصولهم مرحلة الشباب والقدرة على الاعتماد على الذات؛ فمن الواجب على كل منا _ كل حسب قدراته وإمكانياته _ توفير الحياة الكريمة لهم دون تقتير أو تبذير من حيث توفير كافة متطلبات الحياة من مسكن آمن ومناسب ومأكل وملبس وغيرها من الاحتياجات الأساسية، وحتى الكماليات التي لا تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا وقيمنا وبما لا يؤثر على شخصياتهم ويعلمهم الاتكالية والاعتماد على الغير، والتي قد تكون أحياناً على شكل هدايا تقدم لهم لنجاحهم وتفوقهم أو تقديراً لجهودهم في تحمل مسؤوليات من نوع ما قد توكل إليهم لتدريبهم على تحمل المسؤولية، فضلاً عن الإغداق عليهم بمشاعر الحب والحنان والعطف وتوفير جو من الألفة الأسرية وتقديم النصح والإرشاد المستمرين لهم، وتحمليهم جزءاً من المسؤولية كل حسب قدراته وسنه واهتماماته، والتشاور معهم ومشاركتهم الرأي في إتخاذ بعض القرارات خاصة تلك المتعلقة بهم وبمستقبلهم. ويجب أن لا ننسى أن الإغداق عليهم بمشاعر الحب والحنان واتخاذهم أصدقاءً نحدثهم ونستمع إليهم باهتمامٍ بالغٍ ونتشارك معهم الآراء والمسؤوليات واتخاذ القرارات العائلية أهم بكثير من الإغداق عليهم بالأمور المادية.
كما أن من واجب أولادنا علينا تعليمهم تعليماً أمثل ومساعدتهم في تنمية مواهبهم وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم وإشباع رغباتهم وتنمية مواهبهم وقدراتهم. أغدقوا عليهم في مصاريف التعليم _ كل حسب قدراته وإمكانياته _ وألحقوهم بأفضل المدارس والجامعات، ساعدوهم في تعلّم العديد من اللغات وفي الالتحاق بالبرامج التدريبية التي تكسبهم المهارات التي تدعم تعلّمهم في تخصصاتهم وتمكّنهم من التسلح بمهارات الحياة وبمهارات القرن الحادي والعشرين. وتذكروا دائماً أن بناء الأولاد علمياً وفكرياً أهم بكثير من بناء بيت لكل منهم أو شراء سيارة أو إدخار مبلغ من المال في حسابه البنكي.
ابنِ ابنك واستمثر فيه وهو سيتكفل بكل هذه المتطلبات وسيقوم بتوفير حياة كريمة لنفسه بنفسه؛ وبالتالي سيتولد لديه شعور جميل بإثبات ذاته وبنجاحه وبتحقيق طموحه والمزيد من الإنجازات. سلح ابنك بالعلم والمعرفة واتركه يبني نفسه بعصامية معتمداً على نفسه وواثقاً بقدراته وإمكانياته. ابنِ في نفسه القيم النبيلة وعزة النفس والثقة بالنفس وعدم الاتكالية والاعتماد على الغير؛ لتجعل منه إنساناً صالحاً منتجاً منتمياً لمجتمعه ووطنه ودينه ومعتزاً بتربيته وبما نشأ عليه من قيم وأخلاق حميدة.
ولا تنس أن تعلّم ابنك بأن القناعة كنز لا يفنى وأنها مال من لا مال له، وأن الله سبحانه وتعالى تكفل بأرزاق العباد وقسمها بينهم بدرجات متفاوتة لحكمة مقدرة ولنبقى نتذكر دائماً وأبداً أن الكمال لله وحده. علّمه الشبع والاكتفاء والرضى بما كتبه الله له وأن لا ينظر إلى أرزاق الآخرين، وذكّره دائماً بأن الله منحه نعم لم يمنحها لمن هم أغنى منه مادياً، وأن عليه أن يحمد الله ويشكره في كل الأحوال والأوقات. كما يجب أن تعلّمه أن الرزق لا يقتصر على المال فحسب، فالرزق قد يكون في الصحة أو في الأصدقاء أو في شريك الحياة أو من خلال التوفيق في الحياة أو في رضى الوالدين أو في حب الآخرين ... إلخ.
وأخيراً فعليناً كأولياء أمور العدل بين أولادنا الذكور والإناث وتوفير كل ما سبق ذكره للمؤنسات الغاليات بناتنا بنفس القدر الذي نوفره لأبنائنا الذكور، لا بل يجب علينا أن نضاعف اهتمامنا بالبنات وأن نرعاهن ونهتم بهن اهتماماً خاصاً ومتميزاً، وأن نغدق عليهن بالحب والحنان والعطف وتكريمهن والاعتزاز بهن، وتربيتهن التربية الصالحة، وأن لا ننسى أنهن سيكن ستراً واقياً لنا من النار فيما إذا أحسنا تربيتهن والإحسان إليهن.
اهتموا ببناتكم ووفروا لهن كل الحب والتقدير والاحترام والإكرام ولا تولدوا لديهن حاجة إلى البحث عن ملجأ أكثر أماناً وحباً وتكريماً من بيت والدها. بنتك ضيفتك إلى أجل مسمى وبعدها ستلتحق ببيت زوجها فاحرص على إكرامها وإشباعها بمشاعر الحب والتقدير والاعتزاز بها قبل ذلك، ابذل قصارى جهدك لتحقيق كل ما تحتاجه وتحلم به. اجعل قرار بنتك في الزواج امتثالاً لأوامر الله عز وجل ورسوله الكريم، لا بهدف البحث عن فارس أحلام يعوضها عما عانته من حرمان ونقص حب وحنان أو عدم احترام _ لاسمح الله _ في بيت والدها، اجعلها تغادر بيتك وهي تشعر بالرضى والشبع والقناعة ولا تبحث إلا عن الستر وإكمال نصف دينها وتكوين أسرة صالحة. سلحها بالعلم والمعرفة وتعاليم الدين الحنيف، هيئها لأن تكون زوجة مثالية وأماً صالحة، فهمها دورها كزوجة وكأم، واجعلها تدرك تماماً معنى قول الشاعر حافظ إبراهيم:
الأُمُّ مَدرَسَةٌ إِذا أَعدَدتَها أَعدَدتَ شَعباً طَيِّبَ الأَعراقِ.
الأُمُّ رَوضٌ إِن تَعَهَّدَهُ الحَيا بِالرِيِّ أَورَقَ أَيَّما إيراقِ.
الأُمُّ أُستاذُ الأَساتِذَةِ الأُلى شَغَلَت مَآثِرُهُم مَدى الآفاقِ.