هشام التل .. رجل الدولة وحكيم القضاء!
د.طلال طلب الشرفات
14-12-2019 02:11 PM
في عام (1995) التقيت معالي الاستاذ هشام التل في منزل أستاذي الكبير المرحوم ملحم التل في الدوار الرابع، وقد اثارني الفضول للاحتكاك به يومها، ولكن طبيعة الجلسة وفارق السن لم يمكناني من بناء معرفة راسخة، وفي تلك السنوات تعرفت على معظم رجالات عائلة التل في عمان واربد، وكانت تجمعهم صفات رجال الدولة، والعصامية وأنفتهم في التوسط لأنفسهم أو ذويهم، بل كانوا يؤمنون بانهم يحملون مسوؤلية تاريخية في حفظ تقدير الأردنيين لتضحيات الشهيد وصفي، ومكانة عرار، وبعض رجالات التل الذين أسهموا في نضالات وطنية وقومية لا تخفى على احد.
هشام التل، الوزير والقاضي رجل دولة عتيد، ورمز قانوني عنيد، يُدرك حجم مسؤوليات الدولة ومتطلباتها، ويملك حلولاً سحرية لكل المعضلات القانونية المستعصية، وهو قادر على صياغة وتطويع الفتوى القانونية بحنكة، وحكمة، واحتراف من خلال ثنائية الإجابة الصحيحة على كل سؤال، بل كان وما يزال أحد أبرز أقطاب عقل الدولة في الدستور والقانون، وأكثر من ذلك؛ فهو المثال الحي على المهنية العالية، والانحياز للدولة والعدالة، ورجل الظل الذي يبحث عنه الضوء دوماً، والبعيد كل البعد عن الأجندات الخاصة، أو المصالح الضيقة، وكل هذه الصفات التي تعبر عن قيم وطنية عالية وانحياز غير مشروط للدولة وسلطاتها دفعتني للكتابة عن هذه القامة الوطنية المخلصة التي تستحق الثناء .
في ديوان التشريع والرأي وضع التل قواعد الحرفية والمهنية في صناعة التشريع ومتطلبات الفتوى، وأسس قلم التشريع الذي يعزل بين بين البريد الإداري، والبريد التشريعي، وأسهم في اختيار كفاءات وطنية لمهمة صياغة التشريعات، وكان واثنان غيره من رؤساء الديوان او ثلاثة ؛ علامة فارقة في النهوض بالديوان، وترسيخ استقلاله وحرفيته. وفي وزارة العدل كان الخبير الذي لا يفض له غبار في تأصيل الرأي القانوني لمجلس الوزراء في المرات الست التي كان فيها وزيراً في الحكومات المتعاقبة.
هشام التل رجل القضاء الحكيم الذي يميل إلى الصبر، والحكمة، والأناة، واحترام مكانة القاضي، وهو الذي أسهم غير ذي مرة في تطوير القضاء، وتعديل التشريعات، وتحسين وضع القضاة، ويتميز بأنه لم يغادر موقعاً أشغله عقاباً، ولم يأتي إلى آخر ثواباً؛ بل كان ابن الوطن واحد اركان الدولة الذي حافظ دوماً على اسم عائلته التي تميزت بين الأردنيين، بالعفة، والنبل والإخلاص للوطن والقيادة، وما يزال الرجل حتى اليوم زاهداً في أي مطمع أو مغنم ويسهم في خدمة الوطن باخلاص وتفان.
على رأس المحكمة الدستورية يقوم معالي هشام التل اليوم بضبط إيقاع السلطات، والمؤسسات في ظل حالة الانفلات، والاستقواء على سيادة القانون، والرهان على هذا الرجل كبيراً؛ للحفاظ على مقتضيات المصلحة الوطنية العليا، ومتطلبات الأمن الوطني، والسلم الأهلي. والحقيقة الماثلة والتي ربما لم يعد أحد يذكرها بشجاعة أن أمثال التل في الإدارة، والقيادة قد أضحوا من الندرة بمكان، وأن عملية استنساخهم لم تعد مهمة سهلة في ضوء اتساع الهوة بين القائد والمدير، واهتراء المسافة بين العام والخاص في الاداء العام، فأمثال هذا الرجل هم ملح الارض وعطر هويته الشامخة دوماً بعون الله، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء...!!