الخروج من «الاتحاد» وتهديد «الوحدة»
عريب الرنتاوي
14-12-2019 01:19 AM
على غير توقع، سجل اليمين البريطاني المحافظ بزعامة بوريس جونسون، نصراً كاسحاً في الانتخابات المبكرة الثالثة في أقل من خمس سنوات.. إذ بخلاف توقعات مراكز استطلاع وسبر الآراء، أمكن للحزب أن يحصد 364 معقداً من أصل 650 مقعدا، بما يمكنه من تشكيل حكومة جديدة منفرداً، ودونما حاجة حتى للعودة لتحالفات سلفه رئيسة الحكومة تيريزا ماي.
نتيجة الانتخابات مكّنت رئيس الوزراء البريطاني من إطلاق صحيات النصر، متعهداً بإنجاز «البريكست» في وقته المحدد مع نهاية يناير المقبل.. لكن مشكلة جونسون، وربما أسوأ كوابيسه، إنما تقع في مكان آخر: قد يستطيع الرجل إخراج بلاده من نادي الاتحاد الأوروبي، لكنه قد لا ينجح في حفظ وحدة المملكة المتحدة على المديين القريب والبعيد.
نجاحات الحزب القومي الأسكتلندي في حصد 48 مقعداً، يؤشر إلى تنامي القوميين الإسكوتلنديين، وإن حظي الحزب ذاته، على نتائج مماثلة في الانتخابات البرلمانية المقبلة في السكوتلاند، فإن فرص تنظيم استفتاء ثانٍ على الانفصال سترتفع بقوة، بل ويمكن القول إن بريطانيا قد تواجه لأول مرة في تاريخها الحديث، خطراً ماثلاً على وحدتها.
ثم أن مستقبل علاقة إيرلندا الشمالية بالمملكة المتحدة تواجه بدورها تحدياً خطيراً، ومستقبل هذه العلاقة سيتقرر في ضوء تفاصيل «اتفاق الخروج»، خروج بريطانيا من الاتحاد، وترتيبات الحدود بين «الإيرلنديتين».. هذا ملف شديد الحساسية، وربما سيؤثر بدوره على وحدة المملكة.
على أية حال، يعيش جونسون وأنصاره حالة من الفرح بنتائج لم تخطر لهم على بال.. لكن هذه الاحتفالية قد تنقلب رأساً على عقب، في ظل تفاقم التهديدات التي تواجه وحدة البلاد والعباد.. ويبدو أن جونسون مسكون بهذا الهاجس، ففي «خطاب النصر» الذي ألقاه بعد الإعلان عن النتائج غير الرسمية للانتخابات، توقف الرجل عن قضيتين اثنتين: «البركيست» مجدداً وعوده وتعهداته، والالتزام بالسعي للحفاظ على وحدة الدولة واستعادة وحدة الأمة.
وإذا ما قُدّر لسيناريو «التقسيم» أن يفعل فعله في خريطة المملكة المتحدة، على خلفية البريكست، وبفعل الانقسامات السياسية والاجتماعية، فإن بريطانياً العظمى لن تجد من «يبكيها» أو يأسف لحالها.. فهذه الدولة الاستعمارية لم تدخل بلداً أو إقليمياً أو حتى قارة، إلا وعاثت بها تقسيماً وتفتيتاً.. والعرب الذي عانوا من دور بريطانيا في تقسيم بلدانهم وإعادة رسم خرائطهم فضلاً عن خطيئتها التاريخية التي حملت اسم «وعد بلفور».
الانتخابات البريطانية أقفلت فصلاً مضطرباً في الحياة السياسية البريطانية، بيد أنها لم تغلق الباب أبداً، أمام سلسلة من التداعيات والتبعات، التي تبدو أكثر خطورة من مجرد الانقسام السياسي الداخلي، إلى تقسيم ديموغرافي وجغرافي أكثر خطراً وأشد عمقاً مما حصل حتى الآن.(الدستور)