فى العادة يتم الكتابة من اجل بيان الحال او استخلاص نتيجة، لكن ان يتم الكتابة من اجل التاريخ فان هذا قد يقع فى سياق التوثيق، والذى عادة يقف عند مفصل حاد أو منحنى خطر او ميلاد منطلق قويم قد يبنى عليه فى تحديد مسار او الوصول الى هدف.
ولاننا نعيش مرحلة تاريخية واجواء استثنائية فان طبيعة المرحلة تستوجب قراءة متمعنة وتوثيقا دقيقا على الاقل لمجريات الاحداث التى تصاحب حالة المرحلة التاريخية واجوائها الاستثنائية التى نعيش، هذا لان التحليل السطحى للاحداث سيقود الى بناء قرارات قد تحمل الصحة لكنها لن تشكل عمق التاثير وتقود لصناعة الاثر وبالتالى لن تحمل مردودا قادرا على جعلك تشارك فى اللحظة التاريخية من باب المشارك بقدر ما يجعلك تقف عند خانة ذلك «المتلقي غير المتفاعل» وهى منزلة قد تفهم انها تقع فى مرحلة الجمود وهى مرحلة فى وصفها هى الأخطر لانها تنذر فى مرحلة السبات، لكن مناخات شكلتها الانطباعات الوصفية والوقائع السطحية ولم تتخذ هذه النتائج من عمق تحليل معرفي، لذا اذا ما وضعت فى الميزان السياسي تكون نتائج موضوعة للعموم وليست مقدرة للخصوص.
صحيح ان مناخات الأجواء فى المنطقة تنذر بالامطار والعواصف لكن هذه التنبؤات تاتي من وخى تقديرات العالم الافتراضى وهى تقديرات لم تتشكل من واقع معادلات عميقة تتماشى مع الظروف السائدة ولم تتأت وفق معادلة موضوعية يمكن قراءتها وهذا مرده الى ان المعلومات الداخلة فى معادلة الاحتساب هى معلومات منقوصة لدواع امنية احيانا او استراتيجية فى ميزان التقدير. فاذا ما تم النظر بتمعن، ووقفنا على الحقائق بتجل، وتعمقنا فى القراءات بتفحص، لوجدنا ان الاردن وهو من الافضل فى المنطقة، والمجتمع الاردني يشكل حالة يمكن البناء عليها من اجل منطلق جديد يقود الامة ولا يقوم على واقع تنموي فحسب.
فان حال انظمة المنطقة ومجتمعاتها ما زال يقع فى تقدير ميزان الامان بين (غير امن ذلك المستهدف خارجى وغير مستقر ذلك المخلخل داخلي)، والاردن يعيش مرحلة الامان التى تمزج كلا المفردتين ولا يقع ضمن تقديرات ميزان الامن والاستقرار، وكما ان النظام الاردنى غير مقيد بمثلبة سياسية يمكن ان تضبط حركته او تجعله غير قادر على الاستدارة بالرغم من حالة الاهتزازت الافتراضية التى تظهرها شبكة التواصل الاجتماعي، والاردن ايضا لا يعانى سوءا فى الحركة لكنه يعاني حصارا بريا كاملا فرضته اجواء المنطقه، والاردن ما زال قادرا على مناصرة القضايا المركزية للامة من منطلقات ذاتية تنبع من كونه متصالحا مع ذاته، لذا تجده قادرا على الاشتباك السياسي وقادرا ايضا على التأثير الدبلوماسي وقادرا في السياق ذاته على الوصول الى عمق القرار العالمي دون قطع تذكرة سفر او الحصول على تأشيرة، وهو ما جعل الاردن يحمل سمة صاحب الظل الخفيف القادر على التأثير.(الدستور)