حرب جارية لا يتم التحذير منها!
محمود الريماوي
27-05-2007 03:00 AM
يحذر الرئيس الإيراني من حرب جديدة على لبنان صيف هذا العام . حسناً إن هذا التحذير جيد ، فالدولة العبرية تستحق أن تجد من يحذرها من نزعتها العدوانية الجامحة . وقد يكون عدم إنجاز عملية تبادل الأسرى بين بيروت وتل أبيب ، ذريعة بين ذرائع أخرى لشن عدوان جديد . غير أن المرء لا يسعه نسيان ، أن حرب تموز الماضي لم تجد أحداً يوقفها . فقد كان هناك انشغال في طهران آنذاك ، بمؤتمر لتفنيد وقوع محرقة بحق أوروبيين يهود ، على يد أوربيين وعلى أرض أوروبية ، وبإطلاق تصريحات نارية لإزالة الدولة العبرية .هل سيتغير الوضع هذا العام في حال وقوع اعتداء جديد؟ . لا أحد يملك التكهن . غير أن لبنان يحتاج في الأثناء ،علاوة على التحذير من وقوع عدوان إسرائيلي آخر ، يحتاج إلى تعزيز استقراره وتفعيل المؤسسات الدستورية وآلية عملها ، واستئناف الحوار بين الفرقاء . وسبق لطهران أن تعاونت مع الرياض لنزع فتيل الأزمة الداخلية المحتقنة ، وهو ما يستحق مواصلته لعبور الفترة الانتقالية من حياة هذا البلد بسلام ، وعلى أساس احترام سيادته واستقلاله ، وهو المبدأ الذي تتشبث به سائر الدول ، بما لا يُعد مبالغة وتزيداً في حالة لبنان! .
وتملك طهران أن تفعل الكثير على هذا الطريق ، مما لا يتطلب مزيد بيان ، وذلك بالنظر إلى علاقات وثيقة وخاصة تجمع طهران بفرقاء بعينهم دون سواهم ، فيما يقتضي الأمر تعزيز العلاقات أولاً إن لم يكن حصراً بين الدولتين .
هناك الآن ما ينبىء عن مشروع لإشاعة فوضى مدمرة في ذلك البلد الصغير ،الذي عانى الكثير على مدى عقود من الاحتراب الداخلي والتدخلات الخارجية . ولا شك أن هذا البلد يحتاج الى معاونة أصدقائه الأقربين والأبعدين ، لتوطيد ركائز الدولة وتعزيز الوفاق الوطني فيه ، وإطفاء بؤر التوتر فيه ، وعدم اعتبار التدخلات من تقاليد هذا البلد أو من الحقوق المكتسبة للآخرين .
وبعيداً عما يجري في لبنان الأخضر ، فتحذيرات محمود احمدي أنجاد لتل أبيب من شن الحروب ، كانت لتبدو أفضل ، لو أنها أخذت في الاعتبار أن الاحتلال الإسرائيلي لا يكف ليل نهار ، عن شن حرب يومية ضد الشعب الرازح تحت الاحتلال .فعدوانية هذه الدولة هي أكثر شمولية وانتظاماً ، من حرب سابقة وأخرى قد تحدث ضد حزب الله ولبنان . وفي واقع الأمر أن كسر النهج التوسعي والعدواني في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وحمل دولة الاحتلال على الإقرار بحق الطرف الآخر في إقامة دولته المستقلة ، على الأرض المحتلة منذ عام 1967 هو المعيار الأول والأكثر أهمية لقياس السلوك والرؤى ، ولفحص ما تنطوي عليه الجعبة الإسرائيلية ، خاصة جعبة اليمين كالفريق الحاكم منذ أكثر من ست سنوات .
كذلك الأمر فإن الموقف من إزالة الاحتلال ووقف جرائمه ، هو الفيصل في التعامل مع الدولة العبرية والنظر إليها ، فما جرى ضد لبنان هو بمثابة فائض للعدوانية التي يعتنقها الإسرائيليون ويزاولونها ، وكمكون أساس لعقيدة أهل اليمين فيهم وما أكثر هؤلاء . والحكمة تقتضي النظر إلى الأصل لا إلى الفرع فحسب ، كاعتداء يحدث هنا أو هناك خارج الحدود .ولا يتطلب الأمر إطلاق تصريحات نارية ، بل معاينة السلوك الإسرائيلي المتوحش الذي يتجاوز كل المواثيق والأعراف ، واتخاذ موقف منه . والأفضل في جميع الأحوال التركيز على تطرفهم ، لا منحهم ذرائع ومستمسكات للتغطية على ذلك التطرف ، وصرف الأنظار عنه .
mdrimawi@yahoo.com