المواقف التي تأتينا على طبق»الانصاف» من شخصيات ومؤسسات وأحيانا حكومات غربية اكثر من ان تحصى، لكن السؤال : كيف نتعامل..؟ هل نستقبلها ونحتفي بها ونرد عليها التحية بمثلها او بأحسن منها ام نتجاهلها ونغض عنها ابصارنا وكأنها «واجب» عليهم وتحصيل حاصل..؟
الامثلة بالطبع عديدة وتستعصي على العد، خذ مثلا المواقف المشرفة التي عبرت عنها اكثر من مرة دول امريكيا اللاتينية احتجاجا على اسرائيل وانتهاكاتها المتكررة ضد الفلسطينين، خذ ايضا خطابا تاريخيا لرئيسة وزراء الارجنتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة كشفت فيه ازدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب مع العرب والمسلمين، وخذ ثالثا حملة المقاطعة التي قادتها النقابات العمالية في بريطانيا للبضائع الإسرائيلية، خاصة التي تنتجها المستوطنات، والحملة الاخرى التي قام بها بعض الاساتذة والاكاديميين في الجامعات البريطانية لمقاطعة عدد من الجامعات الإسرائيلية.
قائمة الانصاف بالطبع طويلة تضم مفكرين وصحفيين وفنانين وسياسيين،كما ان قائمة الاحتجاجات التي يقوم بها الآخرون بالنيابة عنا، ودفاعا عن قضايانا طويلة جدا،لكن لا ننسى ان قائمة الخيبة التي نداري بها صمتنا وكسلنا وانشغالنا ضد قضايانا طويلة ايضا..المؤسف حقا اننا لا نكتفي بعدم الاحتجاج والصمت وانما نصرّ على مكافأة هؤلاء بمزيد من اهمالهم وجلد ذاتنا والاساءة اليها وبمزيد من التطبيع مع اعدائنا وبمزيد من كراهية العالم الذي يبادرنا التحية وكأننا نقول لهم: وفروا خدماتكم.. فنحن ادرى بمصالحنا.. أيُّ بؤس هذا؟
لكي لا استطرد في سرد ما يفعله الاخرون بالنيابة عنا اعترف ان هناك سؤالين ما زلت مشغولا بالاجابة عنهما، الاول : كيف يمكن ان نساند هؤلاء الذين وقفوا الى جانبنا وكيف نشد على ايديهم، وقبل ذلك الا يستحقون ان نعبر لهم عن عميق الاحترام وبالغ التقدير ونرد التحية عليهم بأحسن منها.
اما السؤال الثاني فهو : لماذا قصَّرنا في ذلك ؟ هل ما زلنا نتصور مثلا ان الاخرين –كلهم -مهما اختلفت اديانهم او جنسياتهم مجرد شياطين وان «ملة الكفر واحدة» ام نتصور ان من واجبهم ان يدافعوا عنا باعتبار ان الأمم الاخرى مسخرة لخدمتنا، ومدعوة للتقدم والعمل بالنيابة عنا، ومطلوب منها ان تصغي الينا، وتتنازل عن «معتقداتها» لصالحنا، أم أننا ما نزال نشك في مواقفهم ونعتبرها احيانا محاولة لتزيين صورة الغرب أو أنها ربما تعبير عن تأنيب الضمير او مجرد عملية تقاسم أدوار لا أكثر ولا أقل. مهما تكن الإجابة، ألا يفترض أن تدفعنا مثل هذه المواقف لكي ننظر بعيون أخرى للانسانية التي لا تخلو من خير، والى حقيقة المجتمعات الحية التي لا تنجر وراء ما تصدره حكوماتها من مقررات ظالمة، أو ممارسات تنتهك حقوق الإنسان، أي إنسان؟؟ اليس من واجبنا ان نقول :شكرا لنظرائنا في الخلق والانسانية الذين غضبوا بالنيابة عنا، ورفعوا اصواتهم للدفاع عن صورتنا والمطالبة ببعض حقوق المظلومين في بلادنا.. ليت أن نخبنا تتعلم منهم أو تمد يدها لهم..يا ليت.
(الدستور)