بانتظار «ظريف الطول» الفلسطيني
رشاد ابو داود
13-12-2019 01:18 AM
ليس مثل غودو صامويل بيكيت، يأتي ولا يأتي، وقصة أهله ليست مثل قصة أهل غودو، يائسين يعيشون فوضى وفقدانا للبوصلة، مهمشين منعزلين. أهل ظريف الطول الفلسطيني مقاومون صامدون متجذرون في أرضهم المحتلة كما الزيتون والتين والبرتقال والليمون.
الأسبوع الماضي مرت الذكرى الـ 32 على اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى «انتفاضة الحجارة»، التي انطلقت شرارتها يوم الـ 8 من كانون الأول/ ديسمبر 1987. تزامنت الذكرى مع تصاعد الهجمة ضد فلسطين والفلسطينيين سواء لجهة تهويد الأرض واستشراس المستوطنين والمتطرفين بزعامة بنيامين نتنياهو، أو لجهة محاولات تصفية القضية الفلسطينية في ما تسمى «صفقة القرن» التي نفذت واشنطن أبرز بنودها من دون اعلان، وتشديد الحصار على غزة، مرورا بإعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، وإعلان وزير خارجيته مايك بومبيو أن مستوطنات الاحتلال بالضفة الغربية «قانونية»، إضافة لتلويح نتنياهو بضم الأغوارالفلسطينية غرب نهر الأردن.
اعتبرت انتفاضة الحجارة أكبر هبة شعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي بعد احتلال باقي الأراضي الفلسطينية عام 1967م، واستشهد خلالها 1300 فلسطيني وفلسطينية وأصيب عدد كبير واعتقل الآلاف.
منذ مائة عام وحياة الفلسطينيين مقاومة. مواجهات مع المحتل البريطاني، اضرابات، ثورات بدأت في 1936 وانتهت بتسليم بريطانيا فلسطين لعصابات الصهاينة عام 1948، لكن الفلسطيني يولد وقدر المقاومة مكتوب على جبينه، قدر يتوارثه جيل بعد جيل، فأبطال الانتفاضة الأولى هم أحفاد رجال ثورة 1936، وشباب الانتفاضة الثانية هم أبناء رجال الأولى، ومقاومو السكاكين هم الأحفاد الجدد، الجيل الرابع للنكبة.
ثمة قصة تختصر حكاية الفلسطيني وهي أغنية تراثية تتوارثها الأجيال، وهي أغنية باللهجة المحكية تتحدث عن «ظريف الطول» – يلفظونها «زريف»- مطلعها :
«يا ظريف الطول وقف تا اقولك..
رايح عالغربة بلادك أحسن لك
خايف يا المحبوب اتروح وتتملك..
وتعاشر الغير وتنساني أنا»
تلك الكلمات تغنى بها الكثيرون منذ عقودٍ طويلة، وكانت تُردد دائماً في المناسبات الاجتماعية والوطنية، فمن هو «ظريف الطول»؟ وماهي قصته؟
يروي الأجداد، قصة «ظريف الطول» مؤكدين على أنه شاب يُدعى «فلسطيني» ولأنه كان»ممشوق القوام» أُطلق عليه هذا اللقب. أقام هذا الشاب في قرية كان غريباً عنها، وكان يعمل نجّاراً عند شخص يدعى أبو حسن، الذي كان يعطيه أجره كل أسبوع، ولم يكن يعلم ماذا يفعل بالمال، وأجمع أهل القرية أنه كان ذا خلق ولا يرفع عينيه تجاه امرأة، رغم أن فتيات القرية كنّ يحاولن التقرّب منه، حتى أن زوجة مختار القرية طلبت منه أن يصنع لها خزانة كي تلفت نظره لابنتها، وزوجة خطيب المسجد صنعت عنده صندوقاً خشبياً للملابس وحدّثته عن ابنتها من دون فائدة، لأن «ظريف الطول» لا تعنيه هذه الأمور.
تحكي الرواية أنه وفي يوم من الأيام؛ هجمت إحدى العصابات الصهيونيّة على القرية واستشهد ثلاثة شبّان، وفي اليوم الثاني، غادر «ظريف الطول» القرية وعاد بعد أربعة أيام ليلاً دون أن يراه أحد، حتى عادت العصابات بعد شهر لتقتحم القرية، حينها قام «ظريف الطول» بتوزيع خمس بنادق على الشبّان كان قد اشتراها من ماله الخاص، وتم قتل ستة أشخاص من العصابات.
وفي اليوم التالي، باعت النسوة ما يملكن من مجوهرات وذهب، لشراء البنادق بثمنها، وعند عودة العصابات للأخذ بالثأر، اندلعت معركة كبيرة في كروم التفّاح واستشهد عدد كبير من أبناء القرية، وفي الوقت نفسه سقط عدد كبير من أفراد العصابات، وعندما قام أهل القرية بجمع جثامين الشهداء، لم يجدوا «ظريف الطول» بينهم، ولم يكن بين الأحياء أيضاً واختفى، وأجمع أهل القرية على أنه قاتل بشراسة وقتل أكثر من 20 شخصاً من أفراد العصابات، وأنقذ بعض شبان القرية، لكنه لم يظهر بعد المعركة.
مرّت الأيام وصار «ظريف الطول» أغنية القرية: «يا ظريف الطول وين رايح تروح.. بقلب بلادنا تعبّقت الجروح..يا ظريف الطول وقف تاقولك.. رايح عالغربة فلسطين أحسن لك».بعد سنوات قيل أنه تمت مشاهدة «ظريف الطول» مع الثوار في يافا، والعديد من الناس أقسموا بأنهم شاهدوه في بورسعيد أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1965، وآخرون شاهدوه في غزة، ومنهم من قال أنه كان في بيروت إبان اجتياح عام 1982، ليتضح أن ظريف الطول هو غودو الذي يأتي وهو كل مقاوم فلسطيني، لتبقى الأغنية تُردّد حتى اليوم.
(الدستور)