هيكلة القطاع الزراعي نحو الزراعة الصناعية
د. عبدالحليم دوجان
12-12-2019 01:54 PM
ليس المقصود هنا هيكلة وزارة الزراعة فقط، ولا المقصود هيكلة تقليدية سطحية للقطاع الزراعي أيضا، وليس أفكارا عابرة تنثر هنا وهناك، وإنما هيكلة حقيقة عميقة ترتكز على فلسفة ريادية وبناءة، تعيد للقطاع دوره الحيوي في الجانبين الاقتصادي والاجتماعي.
الزراعة كما تعلمون تعد مرتكزا أساسيا في الاقتصاد الوطني الأردني، وحتى وإن كانت نسبة مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي متدنية -كما يراها البعض- إذ تقدر بنحو 5.65% في 2018، الا أن المساهمة غير المباشرة تعادل 28% ،عدا عن التكامل الأمامي والخلفي الكبير للقطاع؛ فمدخلات القطاعات الأخرى تعتمد بنحو 60% على مخرجات القطاع الزراعي، كما أن مدخلات القطاع الزراعي تعتمد بنحو 65% على مخرجات القطاعات الأخرى، وتشكل صادرات القطاع الزراعي ما نسبتة 18% تقريبا من الصادارات الكلية للمملكة، علاوة على أنه يعتبر المشغل الرئيس في معظم المحافظات والأطراف، إذ يعتبر أغلب المواطنين في تلك المناطق الزراعة بشقيها النباتي والحيواني ملاذا لهم وفرصة للعمل في ظل عدم قدرة القطاعات الأخرى على القيام بذلك.
التحديات التي تواجه القطاع الزراعي لم تتغير منذ سنوات وكذلك الحديث عن الحلول،إذ تتراوح المشكلات بين تسويق وعمالة ومياه وارتفاع تكاليف الإنتاج، وكذلك المخاطر الطبيعية والزحف العمراني في الأراضي الزراعية الرئيسية وفي الوقت نفسه توسع زراعي أفقي غير مبرر في مناطق غير رئيسية على حساب المياه، وما يرافق ذلك من الخسائر المادية والشكاوى المتصاعدة من المستهلك، وكل هذا يأتي في ظل حكومات معزولة عن الواقع الزراعي.
إذاً لماذا لا نفكر في هذا القطاع بعقلية جديدة، يكون مسعاها إعادة النشاط والقيمة له، دون النظر إليه على أنه هامشي، ولا يحقق قيمة مضافة للاقتصاد، ولا دور له في الحماية الاجتماعية، فالقطاع يحتاج إلى نهج جديد وإن كان تدريجيا، يعتمد على مفاهيم وأساليب وآليات حديثة في عملية الإنتاج والتسويق والتصنيع الزراعي، وبالأحرى الانتقال إلى مفهوم الزراعة الصناعية كيقظة استراتيجية في القطاع، الأمر الذي سينعكس إيجابيا على المزارع والمستهلك وبالتالي على الاقتصاد الوطني.
فالزراعة الصناعية تُشير إلى إضافة الصبغة الصناعية على المنتجات الزراعية بشقيها النباتي والحيواني، وتشمل تطبيق أساليب علمية تكنولوجية، واقتصادية، بحيث تتضمن تطبيق ابتكارات جديدة في مجالات المكننة والأساليب الزراعية، والهندسة الوراثية، وتقنيات الوصول إلى وفورات الحجم في الإنتاج، وخلق أسواق استهلاكية جديدة وفق مفاهيم هندسة العلميات والتكلفة المستهدفة، وتطبيق حماية براءات الاختراع في المعلومات الوراثية، والتجارة العالمية وغيرها .
فالنجاحات الفردية لبعض المزارع الريادية لا تكفي خاصة إن بقيت في إطار العمل الفردي، فالحاجة أصبحت ملحّة إلى يقظة استراتيجية شاملة قابلة للتطبيق، وبمشاركة كافة الأطراف وعلى رأسها الحكومة بهدف الانتقال إلى الزراعة ذات الصبغة الصناعية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية.