وقفة عند طروحات «الدولة ثنائية القومية»
09-12-2009 01:31 PM
بعض الطروحات، لا يكتسب أهميته مما يمثله أو يعنيه، بل مما يمثله صاحبه و ما يعنيه. و هناك أفكار كثيرة قد لا يكلف نفسه المرء الوقوف عندها؛ فإذا نسبت إلى شخص موثوق، متزن، ومعروف بمبدئيته؛ فلا بد حينها من وقفة و مراجعة، واشتباك نظري.
من هذا النمط من الأفكار؛ تأتي محاولة حديثة لاستحضار فكرة الدولة ثنائية القومية ، كمخرج لجمود العملية السلمية، و تضاؤل فرص حل الدولتين ، مع وجود يمين اليمين الإسرائيلي، المتطرف و المأزوم.. وبصفته طرفا، لكنه غير راغب و لا قادر أن يكون طرفا في حل عادل و شرعي للصراع العربي- الإسرائيلي. بداية، وأمام هذه الفكرة و ما قد يترتب عليها؛ فلا بد من التأكيد على أن أي حل للصراع، خارج إطار قرارات الشرعية، أو خارج ما تطرحه الأطراف الدولية، هو حل غير جدي، وغير مطروح من الناحية العملية. وليس جديدا القول: إن قوة القضية الفلسطينية، اليوم، ليست من قوة العامل الذاتي الفلسطيني؛ فهو منقسم و في أضعف أحواله.. وهي ليست أيضا من قوة العامل الذاتي العربي، الذي يواجه انقسامات و اعتبارات أخرى، تهمش دوره؛ ولكنها، وبوضوح: من قوة العامل الدولي، ومن قوة شرعيتها.. وشرعيتها و إجماع المجتمع الدولي؛ يرتبطان بحل وحيد حصري، هو: حل الدولتين، لا أي حل آخر، و على أساس قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وفق قرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات العملية السلمية.
وبمنأى، عن الدخول في السياق التاريخي لفكرة حل الدولة الواحدة، ثنائية القومية، والتي كانت بالأساس فكرة تبنتها بعض أحزاب اليسار الاسرائيلي في الثلاثينيات من القرن الماضي؛ فإن جل الأصوات العربية التي تنادي بفكرة حل الدولتين الآن، تنطلق من فكرة: تقويض الكيان الاسرائيلي من داخله، اعتمادا على الفارق الكبير بين نسبة الزيادة السكانية بين العرب واليهود، لصالح العرب. وهو ما ينم عن اختزال سطحي للمشكلة، وتبسيط عجيب للأمور، وتضخيم لاعتبار ليست له أهمية حقيقية؛ فالمسألة ليس من الممكن اختزالها بالتفوق العددي؛ إذ أن الطرف الذي يملك الاقتصاد والتكنولوجيا والأمن سيكون هو الطرف المسيطر.. والكم العددي يصبح مجرد سوق للعمالة ليس إلا.
وفي الحالة الفلسطينية، و نظرا للخلل الكبير في ميزان القوى بين الفلسطينيين والاسرائيليين؛ فإن الحديث عن دولة ثنائية القومية لا يعني بأي شكل من الأشكال صيغة بين طرفين متساويين، لا سياسيا ولا اقتصاديا ولا من حيث التفوق التكنولوجي، فضلا عن العمق اليهودي الممتد في الدول المتقدمة وما يوفره من دعم اقتصادي وإعلامي وغيره.. ما يعني من الناحية الواقعية أن الفلسطينيين، وهم الطرف الأضعف في هذه المعادلة، سيتحولون الى أداة بيد الدولة القوية؛ فإسرائيل تسيطر على الجانب الأمني، ولقمة عيش الفلسطينيين سيكون مصدرها الأساسي هو العمل داخل إسرائيل. أي؛ إن العمق الفلسطيني سيصبح عمقا إسرائيليا وليس عمقا عربيا، وهذا من شأنه، بضرورة الحال، أن يمس بالمصالح الاستراتيجية الأردنية، في سياقاتها المتعددة، نظرا للتداخل الجيوسياسي بين الأردن وفلسطين.
إلا أن الأثر الأسوأ على الأردن ومصالحه و اعتباراته، في حال قيام مثل هذا الكيان، هو على ملفات الوضع النهائي التي يعتبر الأردن شريكا موضوعيا فيها.. وفي مقدمة هذه الملفات، هنا، ملف اللاجئين، والذي سيشهد انعطافة حادة، تؤول بالملف كله، إلى التصفية، وعلى حساب مصالح الأردن والفلسطينيين، وعلى حد سواء؛ ومعلوم أن إسرائيل تتحفظ، تقليديا، على عدد اللاجئين المطلوب عودتهم الى داخل حدود 48، وليس لديها تحفظ كبير على عودة اللاجئين الى الدولة الفلسطينية المؤقتة داخل حدود 67، ولكن بدولة ثنائية القومية فإن التحفظ الاسرائيلي سيشمل 67 أيضا.. بل و من المرجح أن الضغط الإسرائيلي سيكون باتجاه إسقاط الملف برمته.
ويأتي ملف القدس ، و هو ملف أردني، تماما مثلما أنه ملف فلسطيني. و للأردن دور و رعاية، منصوص عليهما و بوضوح في مرجعيات العملية السلمية، ولهما سند قانوني دولي قوي. ومن الناحية الرمزية تكتسب القدس أهمية كبرى، أردنيا. و لسنا بوارد تفصيل التضحيات و المواقف الأردنية طيلة العقود الماضية في الدفاع عن المدينة و سلامتها و هويتها. و ما يهم هنا، أنه وفي إطار الحديث عن دولة ثنائية القومية؛ فإن القدس ستكون، حكما، هي العاصمة الموحدة للدولة الثنائية المفترضة. ويترتب على ذلك إلغاء الحقوق الأردنية بالإشراف على المقدسات و رعايتها، و مساس مباشر بالاعتبارات الأردنية الرمزية و القانونية التي تتعلق بالمدينة المقدسة.
و يبقى ملف التعويضات؛ إذ يعني قبول الفلسطينيين بدولة ثنائية القومية: إخلاء طرف اسرائيل من كل ما نجم عن الاحتلال طوال العقود الماضية، من تدمير أو تهجير وغيره، وسوف تتنصل اسرائيل، بسهولة، من الالتزامات المادية والأخلاقية لكل الأطراف المتضررة، والتي يأتي الأردن في مقدمتها.
من هنا، فإن فكرة حل الدولة الواحدة، لا تعني، فقط، إجحافا بحق تاريخ من النضالات الوطنية الفلسطينية، في سبيل إقامة الدولة المستقلة، و استعادة كافة الحقوق المستلبة؛ و لكنها تمثل، كذلك، تجاوزا صريحا للثوابت و الاعتبارات الأردنية، ومساسا مباشرا بالمصالح الأردنية العليا. و غني عن القول: ذلك الأثر الكارثي لإلغاء ملف حساس و خطير مثل ملف اللاجئين، وتصفيته على هذا النحو الافتراضي!
الراي.