اسرار ثورة 14 تموز (عبدالكريم قاسم من اليمن).
أ.د. سعد ابو دية
09-12-2009 12:41 PM
أسرار الثورة:
كتب الكثيرون عن الثورة وبخاصة من العراقيين. أن عدد الكتب لا يحصى وهناك موسوعة كاملة (هي موسوعة ثورة 14 تموز) كتبها العميد خليل حسين مساعد مدير الاستخبارات العراقية وكشف فيها الكثير عن شخصية عبد الكريم قاسم وقد أهداني معظم ما كتب بالإضافة لأحاديث شخصية طويلة جداً.
عبد الكريم قاسم ليس عراقياً:
يعتبر عبد الكريم قاسم من الغاز ثورة 14/تموز. وقبل أن اتحدث عن شخصية الملك فيصل أتحدث عن شخصية عبد الكريم.
هو من مواليد الهندية في بغداد من أب سني وأم شيعية من عشيرة تميم. وقليلون يعرفون أن عبد الكريم قاسم من اليمن إذ نزح جده السادس عبد الله من اليمن. كان والد عبد الكريم نجاراً ثم أصبح تاجراً. لم يستطع عبد الكريم أن يدخل الكلية العسكرية، وعمل معلماً في الشامية الابتدائية ثم التحق بالجيش. في هذه الفترة كان له ابن عمه هو الطيار (قائد القوة الجوية) محمد على جواد ود لمع اسمه في انقلاب بكر صدقي (قائد الجيش) عام 1936 وقد قتل مع بكر صدقي وقد اثر مقتله على شخصية عبد الكريم ومن يومها حمّل عبد الكريم اسم العروبيين المسؤولية وكان في الجيش ضباط عروبيين مثل صلاح الدين الصباغ الذي قاد مع رشيد عالي الكيلاني حركة عام 1941م وأعدم فيها الصباغ وغيره...
إن كراهية عبد الكريم للصباغ وجماعته ربطت بينه ونوري السعيد الذي يكره الصباغ وجماعته ..... هذا هو ما ربط بين نوري السعيد وعبد الكريم منذ ذلك الوقت.
تلاميذ عبد الكريم ضباط انقلابيون:
لقد درس عبد الكريم في الكلية العسكرية وفي الدورة (17) خرج من تحت يديه ضباطاً كان لهم شأن في مستقبل العراق ومنهم:
عبد السلام عارف- التلميذ المفضل عند عبد الكريم.
أحمد حسن البكر.
رفعت الحاج سري.
إسماعيل العارف.
فاضل عباس المهداوي (قريب عبد الكريم).
وصفي طاهر.
وهؤلاء كانوا من أبرز الرواد والضباط الإنقلابيين، وهناك ثلاثة من تلاميذه في تلك الدورة تولوا أمانة العاصمة.
هالة من البطولة غير صحيحة
وعندما دخل كلية الأركان (1940) زاد حقده على أنصار العروبة ومنهم صلاح الدين الصباغ.
وفي عام 1945 لمع اسمه في حركات برزان وفي حرب فلسطين 1948 خلق عبد الكريم لنفسه هالة من البطولة غير صحيحة وهو شيء تعود عليه بين طلابه في العراق. كان يجسّم ويضخّم الأعمال التي يقوم بها. صحيح أنه شجاع ولكن مستوى التضخيم كان كبيراُ اذ يريد أن يرفع نفسه إلى مصاف هانيبال وخالد بن الوليد وقد قام فعلاً ببعض الهجمات على مستعمرات العدو التي جعلت تضخيم حديثه لا يأت من فراغ.
وفي انتفاضة تشرين الثاني 1952 ضد الحكومة فإن عبد الكريم تدخل عندما تدخل لواء المشاة الأولى لتفريق المتظاهرين واكتسب شعبية جديدة.
وهذا قربه من نوري السعيد وزير الدفاع عام 1953 وكان مرافقه عبد الرزاق الجدة من عائلة الجدة البغدادية العريقة ونوري صديق لهذه العائلة ومن حظ عبد الكريم أن أخباره تصل لنوري وزير الدفاع عن طريق آل الجدة... كانت المعلومات أن عبد الكريم كفؤ ونزيه. ولذلك فإن نوري أغفل كل ما قيل له عن نشاط عبد الكريم السياسي. وفي 13/12/1953 عُيّن عبد الكريم قائداً للواء التاسع عشر في المنصور.
فيضان 1954
ومع فيضان 1954 في بغداد وأراد بعض الضباط عمل انقلاب وبخاصة أن الحكومة مرتبكة ولكن عبد الكريم أفشل الانقلاب والسبب أنه لم يأخذ دور رئيسي كان لا يريد أن يكون (كومبارس)... كان يريد قيادة الجيش على الأقل مثل عبد الحكيم عامر في مصر. (كان أول قرار اتخذه محمد\ نجيب هو تعيين عبد الحكيم عامر قائداً للجيش... كشف ذلك رفعت الحاج سري وقال أن عبد الكريم اسم لن يشترك في ثورة لا يكون له فيها دور البطولة).
سنوات المؤامرة:
تحدثت سابقاً كيف خلت الطريق تدريجياً من أمام عبد الكريم عندما شتت نوري السعيد الضباط الأحرار وأرسلهم للأردن وواشنطن والسعودية وخارج بغداد وظل عبد الكريم وحده في بغداد ومعه تلميذه الفخور به عبد السلام عارف
بالمقابل سخصية الملك فيصل:
كانت شخصية الملك فيصل عند العراقيين شخصية (البطل) بسبب مواقف والده الملك غازي ووطنيته ومواقف جده الملك فيصل. لقد أعجب العراقيون بموقف الملك غازي في قمع الأشوريين 1933 شخصياً كانت شخصية الملك فيصل شخصية قديس فهو مثال الرجل الملتزم الذي لا يشرب الخمر ولم يذقه طوال حياته ولم يدخن أيضاً والأكثر من ذلك كان يواظب على أداء واجباته الدينية.
كان بسيطاً متواضعاً لا يتوان في خدمة أي إنسان. ذات مرة راجعه مجموعة من الشباب المظلومين وعلى طريقة الخلفاء الأوائل اغرورقت عيناه بالدموع.
وعندما تسلم الحكم في العراق قام بأعمال إنسانية منها:
منح راتب شهر لكافة موظفي الدولة.
صرف مبالغ (كبيرة) للجمعيات الخيرية والأيتام.
لقد عاش نفسه محروماً من حنان الأب إذ مات والده وعمره أربعة أعوام وبعد عشرة أعوام فقد والدته وكانت ملكة ذائعة الصيت في العمل التطوعي فد تطوعت في حرب فلسطين وجاءت للأردن للمساعدة في حقل التمريض... والملكة هي بنت الملك علي الذي اختار أن يعيش في جوار شقيقه الملك فيصل ملك العراق. تزوجها الملك غازي بعد وفاة والده بعشرة أيام 4/2/1934 وانتقل الملك من قصر الحارثية إلى قصر الزهور للسكن فيه وفي حدائق قصر الزهور عاش الملك فيصل.
وفي تلك الفترة أخذ الملك غازي يتوجه توجهاً قومياً وطنياً في بلد مليء بالاضطرابات ومن يومها تولت هي توفير حماية الملك كانت تخشى عليه من القتل. لقد وقع انقلاب بكر صدقي قائد الجيش في تلك الفترة ومن يومها زاد خوف الملك على زوجها.
ولكنه قتل فتولت تربية الابن فيصل تربية صالحة وفي ذهنها قول نابليون (مستقبل الطفل من صنع أمه).
الملكة والملك و نوري السعيد
عاشت معه فترة من الزمن ولم تشهد توليه عرش العراق الذي زادت فيه التيارات السياسية قوة وتنافست الدول العملاقة والإقليمية عليه في وقت كانت فيه حالة استرخاء في تيار سياسي مخضرم قاده نوري السعيد الذي شارك الهاشميين في حكم العراق من عام 1921 وحتى 1958 وظل الرجل الأقوى دائماً والشريك الدائم وصاحب الكلمة وشاهد نهاية حكم الملك فيصل ثم الملك غازي وأخيراً الملك الذي قُتل صبيحة يوم 14/تموز وفر نوري السعيد حتى القي القبض عليه بعد يومين وقتل.
مصائب نوري
لقد بدأ نوري السعيد بعد شهر تموز 1954 بإجراءات شديدة إذ عطل الحياة الحزبية وألغى امتيازات بعض الصحف ومنع عقد الاجتماعات العامة وعطل بعض ا لحريات الدستورية حتى يمهد الطريق لحلف بغداد. ولم يتح المجال أمام هذا الملك كي يعبر عن أمل الشعب العراقي... وعلى الرغم من أن الشعب العراقي لم يُحمّل الملك فيصل يوماً خطأ إلا أن أنظارهم اتجهت لأصحاب مراكز النفوذ مثل نوري السعيد وغيره.
آراء العراقيين:
كان الضباط العراقيون منقسمين، هناك من عارض قتل الملك مثل عبد الوهاب الشواف وناجي طالب ورفعت الحاج سري وهناك من أراد تصفية الملك والعائلة المالكة وهذا التيار مثّله عبد قاسم وعبد السلام عارف وعندما استقبل جمال عبد الناصر أحد أقطاب ثورة العراق عبد السلام عارف فإنه دافع عن نفسه قائلاً:
[ليس لدينا باخرة المحروسة]
وهذه إشارة للباخرة التي حملت الملك فاروق خارج مصر وهذا اعتراف أنه ليس في نية رجال الثورة السماح للملك بالخروج. كانت أوامر عبد السلام عارف صريحة وهي :
احتلال قصر الرحاب.
عدم السماح لأحد بالفرار.
وللعلم فإن قصر الرحاب بناه الأمير عبد الإله في منطقة الرحاب في جانب الكرخ في الوشاش في ذلك العام الذي أصبح فيه وصياً على عرش العراق وهو نفس العام (1939) الذي مات فيه غازي ونفس العام الذي أخذ فيه الجنسية العراقية ذلك أن الامير عبد الإله لم يطلب جنسية عراقية ولولا أنه أصبح وصياً على عرش العراق لما قبل أن يأخذ الجنسية العراقية ليس انتقاصاً من الجنسية العراقية ولكن تمسكاً بالجنسية الأصلية التي كان يحملها ولم يقبل أن يغيرها. والغريب أن مصاعب الأمير بدأت منذ ذلك الوقت إذ أنه تصادم مع تيار عروبي عام (1941) وعزلوه عن الوصاية وعينوا وصياً بدلاً منه ولولا تدخل الأردن ومساعدة بريطانيا لما عاد إلى الوصاية ثانية. أتوقع أن شخصية نوري السعيد كانت هي الفيصل الرئيسي في سير الاحداث وأن الوصي دفع الثمن. في الوقت الذي حمل الشعب العراقي حباً كبيراً للملوك الثلاثة وكانوا أبطالاً في عيون العراقيين ولقد ورث الملك فيصل محبة والده ومحبة جده الملك فيصل ولكن وكما ذكرت كان هناك شريكاً في الحكم للملوك الثلاثة وهو نوري السعيد الذي فقد الاتصال بالناس ونال الأمير عبد الاله حظه من عدم الشعبية أيضاً وفي ذهن العراقيين موقف نوري السعيد من أحداث ثورة الكيلاني (1941) وفي وقت كان فيه الوصي الأمير عبد الإله بخبرة قليلة.
إن ما حصل عام 1958م فيه رواسب من ثورة عام (1941) وسياسة نوري السعيد التي كانت تبتعد من الناس في وقت تغيرت فيه الدنيا كلها وظهرت مستجدات وكما قال العراقيون أنفسهم فإن حلفاء العراق مثل بريطانيا كانوا يعيشون في ظلام دامس بالنسبة لما يجري في العراق.
وقعت الثورة وقتل الملك فيصل وكانت أخبار قتله كارثة حتى في نفوس العراقيين وقتل الأمير عبد الإله والملكة نفيسة والدة الأمير عبد الإله والأميرة عابدية شقيقة (عبد الإله).
ملاحظة: تلاحظ عمق المأساة بالنسبة لعائلة الملك علي فقد قتلت الملكة وابنتها وابنها. وجرحت الأميرة هيام (زوجة الأمير عبد الإله) وقد عاشت في الأردن وتوفيت قبل سنوات.
وتلاحظ أن الضابطين اللذين قاما بالثورة قد قتلا وهما عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف.
هناك تقصير واضح في الدفاع وفي رواية أن العقيد المكلف بالدفاع عن القصر (طه البآمرني) خاطب النقيب حميد السراج المهاجم بعبارة سيدي مما اضطره للقول له لا تخاطبني بهذه العبارة..
لقد زرت العراق عده مرات وفي مرة زرت المقابر الملكية وجامعة أل البيت التي أسسها الملك فيصل وعندما عدة إلى الأردن اقترحت تأسيس جامعة بنفس الاسم وفي كل المرات لاحظت ان ذكريات العراقيين مع الملوك الثلاثة ممتازة على عكس ذكرياتهم مع نوري السعيد والأمير عبد الإله وبخاصة ذكرياتهم عن الإجراءات تجاه الضباط في أحداث عام 1941 التي قيل أنها ظلت في نفوسهم حتى ثورة 14 تموز.