لماذا صوّت السويسريون ضد المآذن؟
د. محمد أبو رمان
09-12-2009 03:12 AM
بإطلاق عدد من الدعاة السعوديين دعوة لمقاطعة سويسرا، فإنّ "كرة الثلج" لتداعيات استطلاع الرأي للشعب السويسري، الذي أقرّ منع بناء المآذن، بدأت تتدحرج عربياً وإسلامياً.
من الصعوبة بمكان مقارنة الحالة السويسرية بما حدث خلال نشر الرسوم الكاريكاتورية الدنماركية والهولندية المسيئة للرسول الكريم. فعلى النقيض من الحكومة الدنماركية بدأت الحكومة السويسرية على الفور بتقديم توضيحات للعالم الإسلامي بموقفها الرافض للاستطلاع وعدم تأييدها لما نتج عنه، والتفكير في مواجهة استحقاقاته وتداعياته، ولو باللجوء إلى القضاء.
يعزز القناعة السابقة موقف المسلمين في سويسرا، الذين يؤكدون أنّ الاستطلاع لا يعكس الواقع السلمي والدافئ لعلاقتهم بالمجتمع السويسري، بقدر ما يكشف عن دور اليمين المتنامي، في سويسرا وبعض الدول الأوروبية، والروح العنصرية التي يسعى إلى بثها ضد المسلمين والعرب.
ثمة خلل كبير ينتاب ردود الفعل العربية والإسلامية على صعود اليمين الأوروبي المتطرف ونجاحه في تضييق الخناق على الحريات الدينية والمدنية للمسلمين والعرب هناك. إذ تأخذ هذه الردود طابعاً سلبياً في العادة يدفع إلى المقاطعة والتعميم ويجنح البعض إلى صبغ ما يحدث بطابع الصدام الحضاري والديني، فيما يريد البعض من خلاله تسجيل مواقف شخصية.
كان الأجدى بالأوساط والمؤسسات الإسلامية والعربية المعنية أن تبحث عن الأسباب التي أدت إلى نتيجة الاستطلاع، والعمل على تغييرها، وعدم الانجرار وراء الدعوات المتشنجة التي تصدر اليوم، لأنّها في المحصلة تخدم دعاية اليمين المتطرف هناك، وتضر بالجاليات والأقليات المسلمة، التي استطاعت خلال العقود الأخيرة أن تجد لها موضعاً ينمو داخل المجتمعات الأوروبية.
المفارقة أنّ الحكوية السويسرية تظهر اهتماماً كبيراً وقلقاً حقيقياً من الاستطلاع، وتنتظر اليوم نتائج "قراءة تحليلية" تعدها دوائر رسمية مكلفة بالبحث عن الأسباب التي دفعت السويسريين إلى التصويت على هذا القرار العنصري، رغم أنهم شعب مسالم، لا يحمل إرثاً من الحقد والضغائن تجاه الآخرين.
لا نريد أن نستبق نتائج الدراسة السويسرية، لكن لا يمكن استبعاد دور "الصورة النمطية" في بناء الوعي الثقافي لدى السويسريين وكثير من الشعوب الغربية تجاه العرب والمسلمين، وهي صورة خلقها الاستشراق وتتمحور حول التخلف والأمية وحجاب المرأة واضطهادها والجمال والخيم والصحراء.
من ثَمّ، فإنّ مواجهة نتائج الاستطلاع السويسري لا تكمن بالغضب وتأجيج المشاعر بقدر ما تدفع إلى "مراجعة نقدية" للذات، وفي الصورة التي نطبعها عن أنفسنا للعالم، وفيما إذا كنّا في واقعنا نخدم الإسلام أو نضر برسالته ونشوهّها؟!
قبل التركيز على الصراع السياسي والعقوبات الاقتصادية، وهذا مشروع ومبرر، يجدر التركيز على "المعركة الثقافية" حول الإسلام وصورته.
من زاوية أخرى، فمن الواضح أن الحكومات العربية لا تمانع في ركوب "موجة الغضب" وتأجيج مشاعر العداء تجاه سويسرا، وقبلها الدنمارك والدول التي تحدث فيها مثل هذه الظواهر، إذ إنّ هذه القضايا تصرف النظر عما يحدث داخل الدول العربية من جهة، ويمكن للحكومات أن تستعيد من خلالها جزءاً من الشعبية.
والحال هذه، ألا يجدر بمن يتصدرون هذه الموجة الغاضبة أن يتساءلوا عن الدور الذي لعبته الحكومات العربية في وصول المسلمين والعرب إلى هذه المرحلة من التخلف والتراجع، ما يجعل صورتنا في العالم بهذا السوء؟!
وألا يجدر، كذلك، التساؤل عن البلايين من الأموال العربية المهدرة والفساد المستشري، فيما لو كان صُرِف جزء قليل منه على تقديم رسالة الإسلام وغاياته وتصحيح صورة المسلمين في الغرب؟!
في المحصلة، لا أظن أن الانفعال والغضب والصراخ والدعوات إلى حرب اقتصادية ومقاطعة البضائع هو الجواب المطلوب، بل سؤال جوهري تواجه به النخبة المثقفة والإعلامية والمسؤولة نفسها به: لماذا صوت السويسريون ضد المآذن، هل الخلل الأكبر والأخطر فينا أم فيهم؟!
m.aburumman@alghad.jo
الغد