جواب الجواب ما بين الساقط والمصاب
عيسى ابو جوده
10-12-2019 08:49 AM
الأب المصاب بالحرب التي لم تنتهي بعد، لا زال كلما جلس يهجس باسمه، أحمد ذريعة الوحيد، بقية من جسد الأب الفقيد، أحمد صفة الواحد الوحيد، حذر الضوء الشريد من فرضية الحاضر الطريد. كان هناك، كان هنا، لا لم يأت، ما زال في الأنقاض، كان ملقا على وجهه، كان كلما عدته عاد، لربما فقد الطريق إلى هنا، عادا ليقولا:"إنه ليس هناك وليس هنا." ويجهش الأب بالسؤال، ماذا لو لم يعد! تبكي الأم والأخ وبنت الأخ، يبكي الحفيد والأب المريض بالحرب التي لم تنتهي بعد. أحمد هدنة وصاعقة، مطلع وتجربة. أحمد أبدية وهاوية، خيمة وطلقة حاسمة.
لم يأت، إطلاق نار، صفارات إنذار، تأتي سيارة الإسعاف، ينزل السائق ويصرخ :"القتلى هناك بالمجان." يصرخ آخر معلنا عن مقتل إثنان وأخريان، يصرخ الطبيب: "ليس ثمة وقت، لا بد من بتر ساقيه الإثنتين وإلا لن يخرج الواحد منا سالما."
دم على الجدار، دم على مرمر الدار، دم على شرك الأسوار والعائدون من الموت إثنان ويصعد أخريان، يصرخ المقاتل:"على الواحد منا التخلص من ذراعه العالقة في قفل الباب، لا بد من إسقاط صفة الحصار فينا وإلا لن يخرج الواحد منا صالحا. "
تزدحم أبواب السيارة، سيارة الإسعاف بصراخ الناس وعويل الناس يحملون الأرض فوق أكتافهم. يتلعثم المراسل الجديد، قتيلان وطفل لا زال يلثم الشفتان. "لا بد من إشارة. " يصرخ الساقط فينا بالمصاب. عن ماذا تبحث؟ أبحث عن أحمد في الشجر العاري فينا، أبحث عن أحمد في المطر الساقط فينا. أحمد الخائف العارف اللامبالي بالهزيمة، أحمد المسدس الذاهب فينا حتى آخر القصيدة. "لا بد من إشارة." يصرخ الساقط فينا بالمصاب. عن ماذا تبحث والمدى كله هباء؟ أبحث عن أحمد المصاب فينا قتلا كنا أو أحياء.
يركض المصور الشاب فينا ليحفل ببطاقة سفر، يركض الأب حاسر الرأس، يركض الأخ وابن الأخ وبنت الأخ والجار سعيد، إلى أين؟ لعل طرف خيط يعيد لنا الطريق من جديد، لنا في المكان فقيد.
يترجل الطبيب، يصرخ أحدهم: "لا بد من فسحة من الوقت فالتة وأخرى مثلها ذائبة ليتسنى لطبيب توزيع الجراح على مدخل المشفى وتعج الأبواب بالظلال المحملة بالهذيان على من جاء ولم يعد وعلى من عاد ولم يأت وتفتح الأبواب.
دم على الجدار، دم على مرمر الدار والعائدون من الموت إثنان، والأب لا زال فيما يزال يصرخ باسمه.
أحمد بديل الفراغ، إيقاع الجملة المستساغ. ألا رفقا بالناجين الفاقدين للثقة، من الحماقة أن يموت الرجل بدخان المدفئة.
"لا بد من إشارة ما." يصرخ الساقط فينا بالمصاب. عن ماذا تبحث؟ يضحك غبنا بالمقال، عن جواز السفر العالق فينا، عن ما تبقى فينا من حصار. يصرخ أحدهم معلنا: "القتلى هناك بالمجان، قتيلان وأنا جواب الجواب ما بين الساقط والمصاب."