أهم ما قيل في إعلان الحزمة الاقتصادية الثالثة أن ما ورد فيها من زيادات على الرواتب والعلاوات لن ترفع من بند النفقات التشغيلية. ذلك يشير لإدراك أن النفقات التشغيلية بالموازنة مرتفعة لحدود لا تتناسب مع إمكانات الاردن وموارده، وقد وصلت الى هذه المستويات لأننا لعقود كنا نتصرف كدولة ريعية تشغل فيها الحكومة والقطاع العام غالبية القوى العاملة تماما كما تفعل الدول النفطية حتى باتت نسبة حجم القطاع العام في الأردن من الاكبر على مستوى العالم. هذه الريعية أفضت لعجز موازنة مزمن ومديونية في ارتفاع مطرد.
الانتباه المحمود لبند النفقات التشغيلية يلفه الكثير من الغموض، إذ كيف يمكن ألا تزيد تلك النفقات في ذات الوقت الذي يتم الاعلان فيه عن زيادة في الرواتب والعلاوات وهي بالضرورة نفقات تشغيلية. إن كانت هذه الزيادات ستمول من خفض للنفقات من مكان آخر في الموازنة فذاك الوضع المثالي يعبر عن إدارة حصيفة للمال العام، لكن، أما وأنه لم يعلن عن تخفيضات ملموسة عن أي من النفقات التشغيلية فإن تمويل زيادة الرواتب سيأتي على الأغلب من الاقتراض ما يعني زيادة العجز والمديونية، في وقت أعلن فيه أن نسبة المديونية قفزت من حدود 95 % لتتجاوز 97 %. يضاعف الغموض الزيادة الكبيرة بالانفاق الرأسمالي، وهذا جيد لأنه محفز للنمو، ولكنه أيضاً بحاجة لتمويل ما سيزيد الاقتراض والمديونية. ثمة احتمال آخر ضعيف لتمويل الزيادة في النفقات التشغيلية وهو العوائد الضريبية المتوقعة من النمو جراء الانفاق الاستهلاكي والرأسمالي لأن ذلك سيزيد بالضرورة من عوائد ضريبة المبيعات والدخل في آن معاً.
زيادة الرواتب قوبلت بارتياح كبير حتى لو أنها ستؤثر سلباً على مؤشرات الاقتصاد الاستراتيجية. الفائدة تتجاوز تحسين الأبعاد المعيشية للأردنيين المستحقين بلا أدنى شك لهذه الزيادة. إيجابيات الزيادة بالطريقة التي تمت بها تحقيق مزيد من العدالة وقد كان لافتاً ومهماً إعطاء الزيادة الاكبر للرواتب الاقل. كما أن الزيادة على الرواتب سوف تدخل مزيدا من الأردنيين للشرائح الدافعة لضريبة الدخل وإن كان بنسب لا تذكر، لكن ذلك سوف يقلل من أعباء المهمة المستحيلة التي يضطر فيها الاردن تبرير حصوله على المساعدات في ذات الوقت الذي لا تدفع فيه غالبية مواطنيه ضرائب دخل. آخر الايجابيات ربط العلاوات بالأداء وإن لم يوضح بشكل كاف. هذا مدخل مهم للنهوض بأداء القطاع العام فيه تحسين وتحفيز للمجدين من الموظفين، وخلق حالة تنافس إيجابية داخل مقدمي الخدمة العامة. مهم جداً الانتباه ألا تصبح هذه العلاوات حقوقا مكتسبة بصرف النظر عن الأداء.
سنة مالية واقتصادية مهمة قادمة علينا يجب استثمارها من قبل القطاع الخاص بأفضل السبل، ويجب إدارة هذه السنة بأعلى درجات الدقة والكفاءة لأنها إن لم تنجح بزيادة معدلات النمو وبالتالي خفض معدلات الفقر والبطالة وزيادة الاستثمار نكون قد آذينا موشرات الاقتصاد الاستراتيجية المهمة من مديونية وعجز بلا طائل أو فائدة.
(الغد)