إجراءات محاكمة الوزراء واختلافها عن حصانة النواب
اللواء المتقاعد مروان العمد
09-12-2019 10:47 AM
تختلف إجراءات محاكمة الوزراء في كثير من التفاصيل عن إجراءات محاكمة النواب والأعيان وحصانتهم .
وحتى نلم بهذه الإختلافات فلا بد من الإطلاع على النصوص الدستورية والقانونية التي تنظم محاكمات الوزراء . ففي الدستور تعرضت المواد 55 و 56 و 57 لمحاكمات الوزراء
فقد جاء نص المادة 55 من الدستور ( يحاكم الوزراء على ما ينسب اليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم امام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة وفق أحكام القانون ) .
وقد حل هذ النص في الدستور محل النص القديم والذي كان ينيط هذه المهمة بألمجلس العالي لتفسير الدستور وذلك في التعديل الذي اجري على الدستور عام 2011 . وقد تم حل هذا المجلس فيما بعد وتم أستبدله بالمحكمة الدستورية والتي انحصر أختصاصها في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة وتفسير نصوص الدستور . وقد كان خضوع الوزراء للقضاء النظامي مطلباً قانونياً وشعبياً ليصبح مثلهم مثل الأعيان والنواب عندما تتوفر شروط محاكماتهم .
كما نصت المادة 56 من الدستور على ان ( لمجلس النواب حق إحالة الوزراء الى النيابة العامة مع إبداء الأسباب والمبررات لذلك ، ويصدر قرار الإحالة بأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس النواب ) . لذا لا تملك النيابة العامة القيام بأي إجراء تحقيقي قبل صدور قرار الإحالة سواء كان المجلس منعقداً او غير منعقد . وفي هذا إختلاف عما يجري بالنسبة لإعضاء مجلس النواب والأعيان فأن الحصانة تكون لهم اثناء انعقاد المجلس ولا تشملهم اثناء عدم انعقاده حيث يصبح من الممكن السير في إجراء محاكماتهم في تلك الأثناء وان كان عودة المجلس للإنعقاد توقف هذه الإجراءات حكماً ويصبح الإستمرار بها يحتاج الى قراراً برفع الحصانة عنهم . اما بالنسبة لمحاكمة الوزراء فلا يمكن ان تصدر الاحالة من مجلس النواب الا في أثناء انعقاد الدورة البرلمانية وان يكون هذا الطلب مدرجاً على جدول أعمالها في إحدى دوراته العامة ، ولذا لا يمكن صدور هذه الإحالة اثناء الدورات الإستثنائية الا اذا كان هذا الطلب وارداً في جدول اعمال هذه ألدورة .
وبإختصار فأن المادة 55 من الدستور تحدد الجهة التي تحاكم الوزراء وهي المحاكم النظامية ، والمادة 56 تحدد الجهة التي تعطي الإذن للنيابة العامة لتحريك الدعوى ضد الوزراء وهي مجلس النواب .
كما ان الحصانة التي يتمتع بها الأعيان والنواب تشمل ما يقومون به او يقولونه اثناء تأديتهم لمهامهم التشريعية والرقابية وهي الحصانة الموضوعية و كما تشمل أي جرم جزائي آخر بإستثناء الجرم المشهود وهي الحصانة الإجرائية . اما بالنسبة للوزراء فأن النص يحصر محاكمتهم امام المحاكم النظامية على ما ينسب اليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم بعد قرار الإحالة من مجلس النواب .
وجاء في نص المادة 57 من الدستور بأنه ( يوقف عن العمل الوزير الذي تتهمه النيابة العامة اثر صدور قرار الإحالة من مجلس النواب ولا تمنع استقالته من إقامة الدعوى عليه او الإستمرار في محاكمته ) ، بينما رفع الحصانة عن الأعيان والنواب لا تمنع النائب او العين الذي رفعت حصانته من ممارسة عمله التشريعي والرقابي كاملاً الا اذا كان موقوفاً نتيجة ارتكابه جريمة مشهودة او كان الجرم المنسوب اليه والذي بناءً عليه رفعت حصانته يتطلب التوقيف .
وقد حدد قانون محاكمة الوزراء رقم 35 لسنة 1952 الجرائم التي يحاكم عليها الوزراء . حيث جاء في المادة الثانية من هذا القانون ( يحاكم الوزراء امام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة اذا ارتكبوا احدى الجرائم الآتية الناتجة عن تأدية وظائفهم
1- الخيانة العظمى
2 - إساءة إستعمال السلطة
٣ - الإخلال بواجبات الوظيفة
ثم وفي المواد الثالثة والرابعة والخامسة يورد هذا القانون الجرائم الواقعة تحت كل مادة من هذه المواد . كما تنص بقية مواد القانون على العقوبات التي تطبق بحق مرتكبي هذه الجرائم وكما هي واردة بقانون العقوبات الاردني .
وكان المجلس العالي لتفسير الدستور رقم 1 لسنة 1990 قد توسع في مفهوم الوزراء لغايات محاكماتهم جزائياً عن الجرائم المتعلقة بوظيفتهم لتشمل الى جانب الوزراء العاملين الوزراء الغير عاملين ( السابقين ) طالما انهم ارتكبو الجرائم اثناء تأديتهم لعملهم الوزاري وان يتم ذلك بقرار إحالة من مجلس النواب مثلهم مثل الوزراء العاملين .
اما اذا كانت الأفعال المسندة الى الوزير العامل او المستقيل قد ارتكبها قبل إستلامه منصبه الوزاري وأثناء توليه منصباً وظيفياً آخر ، فأن من حق النيابة العامة المختصة مباشرة التحقيق معه وإحالتة الى المحكمة الجزائية صاحبة للإختصاص دون صدور قرار إحالة من مجلس النواب .
ولا بد من الاشارة هنا الى ان قرار الإحالة الى المدعي العام في حال صدوره من مجلس النواب بحق احد الوزراء سواء الحاليين او السابقين هو إذن بأجراء التحقيقات من قبل المدعي العام بحق الشخص المعني وليس رفعاً للحصانة عنه كما يردد للأسف البعض وحتى من النواب أنفسهم . حيث انه لا يوجد في الدستور ولا في القوانين الصادرة استناداً له ما يشير الى تمتع الوزراء بالحصانة عن الملاحقة القضائية وخاصة ان التهم التي يطلب إذن مجلس النواب لمحاكمة الوزراء عنها هي تهم خطيرة جداً ولا يمكن ان يكون المشرع قد انصرف قصده الي تمتع الوزراء بحصانة حال ارتكب احدهم لإحدى هذه التهم . وإنما لحساسية هذه التهم ومركز من هي موجهة اليهم فقد فضل المشرع ان يتم إحالتهم للمدعي العام عن طريق مجلس النواب . حتي انه من الأجدى الغاء شرط الحصول على هذا الأذن من مجلس النواب وإعطاء الصلاحية الكاملة للمدعي العام لمتابعة تحقيقاته حول هذه التهم واذا وجد ان لديه ادلة تكفي لأتهام الوزير فعليه ان يفعل ذلك .
وهذا يختلف عن حصانة النواب والتي كان الهدف منها توفير نوعاً من الحماية القانونية للنواب والأعيان لتمكينهم من القيام بعملهم التشريعي والرقابي وخلال انعقاد الدورة البرلمانية فقط . وحتى هذه الحصانة لم يقصد المشرع بها ان تكون مطلقة كما فعل ويفعل مجلس النواب الذي يرفض رفع الحصانة عن أعضاءه في جميع الأحوال لأن هذه الحصانة يجب ان تنتهي اذا وجد المجلس سبباً كافياً لمحاكمة النائب او توقيفه . أي انه يجب ان يدقق النواب في التهم المسندة للنائب والأدلة المقدمة واذا وجد انها مبررة ومقنعة فعليه ان يرفع الحصانة عن النائب .
اليوم قرر مجلس النواب احالة الوزير السابق سامي الهلسه والوزير السابق وعضو مجلس الأعيان الحالي طاهر الشخشير الى المدعي العام وبالإجماع لكليهما . علماً ان هنالك اشكالية تتعلق بعضو مجلس الأعيان طاهر الشخشير حيث انه بنص الدستور لابد من رفع الحصانة النيابية عنه من قبل مجلسه . واذا ما نهج مجلس الأعيان منهج مجلس النواب بعدم رفع الحصانة النيابية عن اعضائه فسوف يترتب على ذلك عدم إحالته الى المدعي العام لحين انتهاء الدورة النيابية لأنه سوف يستفيد من الحصانة المخصصة لأعضاء مجلس الأمة .
كما قرر مجلس النواب في الوقت نفسه عدم الموافقة على رفع الحصانة عن نائبيه على ما هو موقفه دائما ، وكنت أتمنى لو انه فعل ذلك طالما انهما واثقان من برائتهما وطالما ان التهم الموجهة لهما ليس لها علاقة بعملهم التشريعي وليست نتاجة عنه . ولو فعل النواب ذلك لقدموا رسالة إيجابية امام المواطنين الذين اصبحوا ينظرون نظرة سلبية اليهم .الا انهم فضلوا التعاضض مع بعضهم واعتبار ان التهم التي وجهت للنائبين كيدية والهدف منها منعهما من مزاولة عملهما التشريعي وفي هذا ادانة للقضاء الاردني ولهيئة النزاهة ومكافحة الفساد . اما القول ان مدة انعقاد الدورة محدود ويمكن انتظار انفضاضها لمتابعة الإجراءات القانونية فهي ان انطبقت جزئياً في هذه الدورة كونها الاخيرة في عمر المجلس فأنها لا تنطبق على الدورات السابقة حيث ان الفترات التي تكون الدورة فيها غير منعقدة قصيرة جداً ولا تكفي لإستكمال الإجراءات القانونية بحق النائب و انه عند عودة الدورة للإنعقاد تعتبر كل الإجراءات القضائية التي اتخذت بحق النائب ملغاة حكماً ويعود النائب للتمتع بحصانته النيابية . وحتى في هذه الدورة فهناك احتمالاً لحصول ذلك فيما لو رأى صاحب الأمر تمديد ولاية المجلس لمدة سنة او سنتين . وهذا يعني من ناحية عملية انه لن يكون هناك مجالاً كافياً لإقامة الدعوة الجزائية على النائب طوال عمر المجلس ما لم يرفع المجلس الحصانه عنه . وربما تمتد هذه الحصانة للمجلس الذي يليه اذا ترشح هذا النائب ونجح في الإنتخابات . وبذلك يكون النواب قد عملوا على قاعدة انصر اخاك ظالماً او مظلوماً ولكن ليس على القاعدة الاسلامية بأن ننصره اذا كان مظلوماً وان نكف يده عن الظلم اذا كان ظالماً .
وفي النهاية لا بد من القول ان النصوص الواردة في الدستور فيما يتعلق بحصانة النواب والأعيان ومحاكمة الوزراء الحاليين والسابقين تحتاج الى مراجعة وتعديل لبعض بنودها بحيث تضمن لهم الحماية دوان ان يكون ذلك على حساب الآخرين وخاصة انه في النهاية الكلمة الفصل للقضاء ولكي يدرك الوزراء والأعيان والنواب انهم سيتحملون نتائج أعمالهم المخالفة للقانون خارج نطاق عملهم عاجلاً ام آجلاً ويفضل ان يكون ذلك عاجلاً .