لم يرغب مجلس النواب الحالي بترك بصمة مميّزة له في الوقت بدل الضائع من عمر دورته الأخيرة، مبقياً على العرف المتواتر في المجالس السابقة المتمثل بمنع محاكمة أعضائه، وقد كان بمقدور المجلس استغلال الفرصة المثالية - التي لن تتكرّر - لتعزيز سيادة القانون وتفعيل منظومة النزاهة عبر احتكامه كمشرّع لأحكام التشريع، ومن سوء طالع المجلس أن إحالة الوزراء الموافق عليها كانت في ذات الجلسة المطلوب فيها رفع الحصانة عن النوّاب!
وقد يرى كثيرون أن مجلس النواب مارس حقه الدستوري كصاحب صلاحية في رفض رفع الحصانة عن أعضائه، لكن في الواقع فإن المجلس - مع الاحترام - قد تعسّف وتجاوز في استعمال هذه السُّلطة، إذ أن الفيصل وفقاً للمادة (١٤٣) من النظام الداخلي هو تبيُّن ما إذا كان المقصود بالتهمه هو تعطيل النائب عن القيام بواجبه أم لا، فإذا ظهرت أدلّة وأَمارات على ذلك فللمجلس أن يرفض وبخلاف ذلك فواجبه الموافقة على رفع الحصانة، حيث جاء نصُّ المادة حرفيّاً "ليس للمجلس أن يفصل في موضوع التهمة وإنما يقتصر دوره على الإذن باتخاذ الإجراءات القانونية أو الاستمرار فيها متى تبين أن الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي".
أمّا الجدل الذي دار حول صحة الاختصاص من عدمها، فقد اعتدى المجلس من خلالها على سلطة واختصاص السلطة القضائية المستقلّة المخوّلة (حصراً) في البتّ بصحّة اختصاص النيابة العامّة من عدمها، كما أنّ قانون أصول المحاكمات الجزائية قد عالج هذه المسألة وأقرّ بصحة الإجراءات التي باشرها المرجع القضائي غير المختصّ - على فرض الثبوت - طالما أنها جاءت متفقة مع الأصول القانونية حفاظاً على حسن سير العدالة، ولا مكان لهذه الدفوع سوى في مجلس القضاء.
لذا؛ ومع كامل احترامي للمجلس النيابيّ الموقّر والآراء القانونية المخالفة لما كتبت، إلّا أنّني أرى المجلس قد خالف أحكام الفصل السادس عشر من نظامه الداخليّ وجاء تصويته - من حيث الشكل والمضمون - مخالفاً لنصوص الموادّ ومقاصدها، وحريُّ به إعادته التصويت من جديد بما يتّفق والنّظام.