فتحَ قرار حل مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، بالتزامن مع الإعلان عن قانون اللامركزية الباب مشرعاً أمام حوارات سياسية عميقة، حول قانون الانتخاب المطلوب وتقييم المشهد السياسي والانتخابات المقبلة والضمانات، والعديد من الملفات التي تدور جميعها في فلك الحياة العامة الأردنية.
اليوم، تنشر “الغد” وقائع جلسة عصف ذهني جرت في مبنى الصحيفة أمس، وشارك فيها كل من د. معروف البخيت وفيصل الفايز، رئيسي الوزراء السابقين، ود. محمد أبو هديب النائب السابق، ود. رحيل غرايبة القيادي الإخواني- الإصلاحي المعروف، وقد أدارها الزميل جميل النمري.
أتمنى أن يجد المهتمون والمتابعون والقراء وقتاً للاطلاع على المادة المنشورة، التي تحمل في مضمونها حواراً عميقاً صريحاً وجريئاً في نقد الذات والمصارحة في المشهد الداخلي وشروط الإصلاح وروافعه.
أحسب أنّ ثمة إجماعا بين الحضور على قضايا رئيسة، الأولى أنّ المرحلة السابقة شهدت تخبطاً كبيراً في المشهد السياسي، وفقداناً للبوصلة، ووصلت النتائج الوخيمة في الآونة الأخيرة إلى هيبة الدولة وسمعتها واحترام قيمها المدنية والوطنية.
بالرغم من ذلك، فلا أظن أننا يجب أن نُحمّل وزر تلك المرحلة إلى شخص أو أشخاص معينين، بل هنالك تراكم في السياسات والتوجهات والرؤى المتضاربة الخاطئة التي أضعفت المؤسسات السياسية وموقع الحكومات في صنع القرار، وخلقت تضارباً وصراعاً بين المرجعيات.
دفعنا جميعاً ثمناً لذلك التخبط المتراكم وعجز الرؤية، ليس فقط مجلس النواب المنحل كان ضحية، فالحكومة والجامعات والتعليم والمجتمع المدني ومنسوب الحريات العامة والحالة الديمقراطية بأسرها كانت ضحايا، واهتزت القيم والتقاليد الراسخة التي حكمت البلاد على مدار العقود السابقة.
اليوم، نحن، بالفعل، أمام “منعطف تاريخي" في مسيرة الدولة والمجتمع، وكلنا مسؤولون عن اجتيازه والخروج بصورة أقوى وأفضل من المرحلة السابقة، ولعلّ الحوارات الدائرة اليوم والأسئلة الأساسية المنبثقة عنها تكشف مستوى الجوع والتعطش لدى الشارع والنخب للعمل الوطني والسياسي والعام الجاد والمثمر، والخروج من مقولات جوفاء حكمت المناخ العام، خلال السنوات الماضية، وقللت من شأن العمل العام ودور المشاركة السياسية في حماية الدولة و”تصليب الجبهة الداخلية".
أحسب أن المشاركين أجمعوا، كذلك، أنّ هنالك سؤالاً رئيساً وحيوياً ومباشراً يمسنا جميعاً، لا يجوز أن يبقى في دائرة “المسكوت عنه”، ألا وهو العلاقة الأردنية- الفلسطينية في شقيها الداخلي والخارجي.
بمجرد أن بدأ الحديث عن قانون الانتخاب في البلاد انقسم السجال السياسي والإعلامي بين من يريد أن يجر البلاد إلى "المحاصصة السياسية" ويستنسخ التجارب العراقية واللبنانية، ما يهدد الأمن الاجتماعي ويعزز أجندة اليمين الإسرائيلي المتطرف، وبين من يريد بقاء الوضع الراهن، بما وصل إليه من جمود وهشاشة وضعف، حتى لا يفتح “صندوق البندورا".
المعادلة الأردنية- الفلسطينية تطرح نفسها اليوم أكثر من أي وقت مضى وتتطلب حواراً وطنياً مسؤولاً عميقاً. ولا أظن أننا عاجزون عن إدارة مثل هذا الحوار، الذي يصل بنا إلى ترسيم العلاقات الأردنية- الفلسطينية باتجاه يخدم المشروع الوطني العام ومصالح جميع المواطنين والأشقاء، ويحمل تصوراً مشتركاً أردنياً فلسطينياً في الداخل والخارج.
ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا، ونحن من لُحمة واحدة ومصالحنا مشتركة ومتعانقة، نريد أن نصل إلى بناء رؤية واضحة تقدمية للأردن الذي نريد، ونكف عن التخبط والتجريب، فالأردن أنجز كثيراً ويستحق منا كثيراً، فلا نكون كمن "نكثت غزلها من بعد قوة أنكاثاً"!
m.aburumman@alghad.jo
الغد