أن تكون محترما في هذا الزمان
شحاده أبو بقر
08-12-2019 02:00 PM
مؤلم حد الحزن ، أن تغدو القيم النبيلة والمبادىء الجليلة والأخلاق الحميدة في هذا الزمن المعاصر ، بضاعة كاسدة لا رواج لها في الأسواق ، فيما الظفر والغلبة لمفاهيم مستجدة عناوينها الفهلوة والشطارة وما يسمى بفن العلاقات والقدرة على قنص الفرص وإنتزاع المكاسب ، وبغض النظر حتى عما إذا كان ذلك يرضى خالق الكون جل جلاله ! ، أو حتى يحظى بشيء من رضى الضمائر ، هذا إن كانت الضمائر ما زالت تعمل لدى الكثرة من الخلائق ! .
مناسبة هذا الكلام ليست شخصية البتة ، وإنما هي عامة تماما ، وقد يكون دليلي هو كم كبير من الخبرة التي تراكمت بحكم سنوات طوال في العمل العام ، وفي أهم المواقع لدولتنا العزيزة العتيدة ، وهي سنوات خبرت فيها نوعين من الرجال ، الأول رجال أصحاب مباديء لا يتخلون عنها ويناضلون سلميا في سبيلها إذ يرون أن فيها صلاح البلاد والعباد ، وهم محترمون بالفطرة ، لا يصدر منهم ولا عنهم ما يمكن أن يناقض مبادئهم ، سواء إتفقنا أو إختلفنا مع تلك المباديء ، وهؤلاء أصفهم أنا ولا شأن لي بغيري بالرجال المحترمين .
والثاني ، رجال يميلون حيث الريح تميل ، يمدحون حيث تقتضي مصالحهم ، وبالذات ما داموا يتسممون صهوة المناصب ، ويذمون حيث تقتضي مصالحهم ذاتها ، سواء أكانوا على صهوة المنصب أو هم ترجلوا عنها ، وتلك هي سجاياهم بالفطرة أيضا ، ، ولن أصفهم تأدبا بما لا يليق لا بهم ، ولا بي .
أقصى ما تسمح به أخلاقي وأرجو الله أن تكون حميدة ، هو وصف النوع الأول بأنهم رجال كبار ، ولا أعني هنا كبر السن ، وإنما كبار في شمائلهم وسجاياهم ، وهؤلاء قطعا لا يغدرون ولا يخونون ولا يتآمرون تحت أي ظرف كان ، وحتى وإن خاصموا ، خاصموا بشرف ولا يمكن أن يصدر عنهم ومنهم إلا طيب في السلوك والكلام معا ، فهم أجواد كرماء سواء أمحلت أم أغلت ، وسواء تسنموا المناصب ،أم لم يجدوا وسط الزحام فرصة لشيء منها .
أما النوع الثاني ، فهم رجال جولة لا يصح فيهم أبدا وصف رجال دولة ، وهذا هو وإن صح التعبير والتقرير ، حظهم من هذه الدنيا الزائلة الغرور ، فالوطن عندهم بقرة حلوب ، يحبونه وإليه يتوددون ما دام الضرع يدر خيرا ، وإن نضب ، ذموه وعنه تحولوا إلى سواه ، ولا يضيرهم ذلك أبدا ، فإما أنا ، وإلا ، فبعدي فليأت الطوفان .
لن أطيل أكثر ، وما فائدة الكتابة أصلا في هذا الزمان ، فأنا وقد كتبت وفي أهم المواقع عشرات آلاف المقالات والخطابات والبيانات والكلمات والأخبار والمحاضرات والمداخلات وكل ما قد يكتب ، أستغفر الله العلي العظيم إن كنت قد زللت أو ظلمت في ما كتبت ، لكنني ارغب في أختم بما أعتقد وأجزم أنه الحقيقة والحق ، وهو أن الكبار في فكرهم ومبادئهم وسلوكهم وأخلاقهم ، هم في طليعة من يؤتمنون على الأوطان دون أن يرف للمؤتمنين لهم طرف ، ومن كانوا غير ذلك ، فنسأل الله خالق الكون ومدبر أمره وهو سبحانه لسائر خلقه بالمرصاد يمهل ولا يهمل ، أن يرأف بحالهم ويهديهم سواء السبيل ويجعل منهم كبارا كما يجب أن يكونوا.
حلم حيارى أن تكون محترما في هذا الزمان ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، وهو سبحانه من وراء قصدي .