هل العرب غير جاهزين للديمقراطية
د.مهند مبيضين
08-12-2019 01:16 AM
البحث عن التجديد العربي، والحرية والديمقراطية لم يكن مجرد رد فعل على الاستبداد او الاصطدام بالغرب وحسب، كما أنه ليس بحثاً موحدّاً له بُنيته الصلبة المستقرة، فمرجعياته مختلفة، وأداوته متعددة. واتفق الباحثون في أمر النهضة، بأن طريق الخلاص العربي ارتسمت في ثلاثة خيارات، أولها أنه خلاص لا يتمّ إلا بخيرات وخبرات الغرب المتحضر، أو من بالتأكيد على أنّ لا سبيل لانقاذ الأمة إلا ببناء الفرد وطرد الجاهلية، وهذا يجب أن لا يكون إلا من داخل عالم الإسلام، وهذا المسار تطور لاحقاً إلى شعار»الإسلام هو الحل» وانتجّ حالة انسداد عربي، وثمة من حاول التوفيق بين الغربنة والتراث وهذا الفكر لم ينجح أيضاً، وكان البديل الرابع هو من صنع الأنظمة العربية باستدعاء مقولة التنمية بدلاً من الديمقراطية.
أوجدت العقليات العربية بتعدد مشاربها والباحثة عن النهضة، تمايزها الواضح، ثمة داعية نهضة وثمة رجل إصلاح، وهذا ما يقرره عزيز العظمة الذي يرى أن تزامن الشيخ المعمم رفاعة الطهطاوي (ت:1873م) والمعلم بطرس البستاني (ت: 1883م) مّثلَّ ظاهرة مستمرة في التاريخ. ونتج عن ذلك التمايز فكر الطهطاوي برعاية محمد علي باشا ومشاريعه الإصلاحية، في مقابل فكر بطرس البستاني الذي انتمى إلى عالم آخر إذ كان - حسب رأي العظمة - نتاجاً للإصلاحات العثمانية التحديثية في القرن التاسع عشر، وتأهل في ما بعد للانخراط بالمعارف العلمية والتاريخية الحديثة بقصد إنهاض مجتمعه.
بقي الجدل بين رواد الإصلاح حتى مطلع القرن العشرين، فعاودت الافكار حضورها، ونهض للدعوة لزمن جديد عدد من رجال زمن النهايات العثماني، ودار حول ذلك النهوض نقاش مطوّل وحوار مديد، وقع جزء منه عام 1902 بين الشيخ محمد عبده من جهة وفرح أنطون صاحب «مجلة الجامعة» وكان الحوار حول الموقف من العلم والفصل بين السطلة الدينية والسياسية، وقد عكس الحوار تلك اللحظة التي بدأت فيها الجمعيات والمنتديات العربية تبحث عن سبيل جديد للعرب كي يتخلصوا من تأخرهم، وهو أمر لم يكن ممكن الحدوث في ظلال التقليد والبقاء في ذات الثقافة، فكان لابدّ من اعترافٍ بقوة الغرب وسلطة العلم، والأخذ منه والتعلم منه والإقرار بالتأخر، وهو امر فعله واجاد به الأمير اللبناني شكيب أرسلان في كتابه «لماذا تأخر العرب».
في هذا السياق السجالي، ظلت الحوارية العربية مفتوحة حتى اليوم وانتهت على ما يبدو بحكم يروج له بعض أبناء السلطة وبعض الحكومات مفاده أنّ الديمقراطية العربية لا تنسابنا، ولا تليق بنا ولا بد من خلطة خاص بنا بما يلائم قيمنا، فكان الالتفاف على كل محاولات التقدم باسم المواءمة بين التقاليد والإرث والإصلاح الملح وبحجة أننا غير جاهزين.
ومع أنه لا قِبل للجمهور والناس بصنع مستقبلهم، وفي ظل احتكار كثير من الدول واجهزتها الايدولوجية للسلطة، فإن الانتقال الديمقراطي لن يكون سهلاً في عالمنا العربي، خاصة وان السلطة في بعض الدول تتحالف مع رأس المال والبرجوازيات المحدثة النعمة، بتقديم ودعم نماذج منتخبة من أصول ريفية تكون تتمتع بالفجاجة والتمرد بالطرح، بما يعزز حالة المقارنة والسؤال عن مستقبل الأوطان في ظل الخيارات التي تفرزها الصناديق وتكون ذات أداء سلبي، فيكون القول: هذه خيارات الصندوق ؟ ألم نقل لكم أن الديمقراطية لا تليق بنا وتُخرج لنا أمثال هؤلاء، إن البقاء والعودة عن الديمقراطية أفضل وهكذا تنمو حجج الـتأجيل والتجميد لمجالس الشعب لتمكين المنتفعين من غياب الرقابة الشعبية والحكومات من البقاء مددا أطول.
(الدستور)