الموازنة ما بين المغامرة والمخاطرة !
د. عادل محمد القطاونة
08-12-2019 12:03 AM
لقد كان موضوع الموازنة العامة للدولة ولا يزال هماً يطارد الحكومات المتعاقبة، وما بين موازنة سابقة وموازنة لاحقة، ارقام فعلية وأخرى تقديرية، وما بين تصريحات حكومية وخطابات نيابية، يتساءل البعض عن حقيقة الأرقام، وهل بعضها يندرج تحت بند الأوهام أو الأحلام أم أنها فرصة للأمام!
إن التحدي الأكبر للحكومة يكمن في القدرة للوصول إلى أرقام تعكس الواقع المالي للدولة لعام قادم، وللأسف فإن أغلب الحكومات لم تكن موفقة في تقدير الأرقام للسنة القادمة فأخطأت في تقدير أرقام نفقاتها تارة وزادت من تقديم أرقام إيرادتها تارة أخرى، وبين تزايد في النفقات وتناقص في الإيرادات أضحت موازنة الدولة لا تعكس واقع الحال.
إن تخفيض عجز الموازنة أصبح من الأمور التي تستوجب حلولا جذرية لا حلولا آنية، فالحكومات المتعاقبة بحثت في كافة الوسائل التي تكفل زيادة الايرادات العامة وتخفض العجز بشكل لحظي، متناسية المتغيرات السياسية، الإقتصادية والإجتماعية المحيطة، فباتت في مهب الريح أي خطط مستقبلية ترنو إلى الإرتقاء في المستوى المعيشي للمواطن وزيادة الرواتب وتحسين المعيشة وسداد الإلتزامات الحكومية المتناثره للعديد من الجهات والمؤسسات!
إن من أهم ما يميز المواطنة الصالحة يكمن في السعي الجاد للدفع لكل ما من شأنه تحقيق الأهداف الوطنية بالشكل الأمثل عبر فتح آفاق جديدة وتهيئة الوسائل الموصلة إلى الغاية الأسمى وهي خدمة المواطن الأردني وضمان العيش الكريم له.
إن الهدف المراد الذي تتواتر المراحل جميعها لإثباته وتجسيده يكمن في وجود موازنة شمولية للدولة تغطي كافة الإحتمالات وتتناول المتغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية بشكل منطقي.
إن من أهم التحديات التي تواجه الموازنة العامة يتجلى في التشوه الضريبي، وضعف الدور الذي تقوم به بعض الوزارات، وعلى الرغم من حزمة الإصلاحات الضريبية في السنوات الأخيرة إلا أن بعض الإصلاحات الضريبية لم ترتقي إلا مستوى الواقع الإقتصادي الإجتماعي للدولة، وعلى سبيل المثال لا الحصر إزدادت وتنوعت حالات التهرب الضريبي وارتفعت تكلفة التحصيل الضريبي وتباينت حالات الإجتهاد في كثير من قضايا الضرائب وتساقطت العديد من القضايا الضريبية في المحاكم!
إن البحث عن أصل المشكلة وكيفية حلها هو الأصعب من النظر إلى واقع المشكلة فالمشكلة تكمن في إزدياد حجم العجز في الموازنة العامة ومن أهم ما يمكن الإشارة إليه في ما يتعلق بالحل الجذري لهذا العجز يكمن في تشجيع الاستثمار المحلي والخارجي، تحقيق الإصلاح الضريبي الحقيقي الواقعي المستند إلى أرضية صلبة قوامها التخطيط والتوجيه الضريبي الأمثل، وتفعيل العمل في الوزارات كل حسب إختصاصه.
إن إيجاد آلية مبسطة للتعامل مع صغار ومتوسطي مكلفي الضريبة، وتطوير الإدارة الضريبية ، والوصول إلى تسويات قانونية للقضايا الضريبية المعلقة في المحاكم، وتحفيز الجهاز القائم على أمور التدقيق الضريبي، وزيادة كفاءة التحصيل الضريبي، والتوسع الأفقي في أعداد المكلفين من أجل زيادة التحصيلات الضريبية، وتبسيط وسائل التحصيل الضريبي وطرق تقديم الإقرارت الضريبية، وتحسين إجراءات تنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات بكافة تفاصيلها، سيسهم في اعادة كتابة الارقام بشكل أكثر موضوعية وحرفية.
ان الدور الذي تقوم به الوزارات ومن أبرزها وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وزارة المالية، وزارة الصناعة والتجارة، وزارة الصحة، وزارة السياحة بحاجة لاعادة هيكلة الفكر التقليدي القائم على البيروقراطية والدواوينية، فتعدد الخيارات وتنوع القرارات أصبح من الاولويات في عالم تحكمه تكنولوجيا المعلومات. كما أن تفعيل دور الوزارات الرامي إلى زيادة ودعم الاستثمارات الإنتاجية وربط ذلك بالتحصيلات الحكومية كل حسب إختصاصه أصبح خياراً استراتيجياً وأن لا يبقى العمل الفردي سيد الموقف حتى لا يضعف من قدرة الموازنة على الإيفاء بمستحقاتها وبالتالي زيادة في العجز!
يجب على الحكومة أن تعمل على تحديد عجز مالي مستهدف للسنوات القليلة المقبلة وهذا العجز يجب العمل على أن يتناقص بشكل تدريجي للوصول إلى تحقيق مبدأ الاعتماد على الذات عبر الاستغلال الأمثل للموارد المالية المحلية المتاحة وفي هذا المضمار تبرز ضرائب الدخل والمبيعات كأحد أهم الموارد المحلية التي يجب العمل على تعزيزها بشكل مدورس وبما لا يزيد من الأعباء على القطاعات الإقتصادية أو ينعكس سلبا على حياة المواطن. كما ان توفير بيئة استثمارية جاذبة كاملة تضمن تشغيل المواطن ورفد الوطن بالقيمة الاقتصادية المضافة اصبح اليوم قراراً حتمياً لا إضافياً.