نتنياهو يرى القدس من خلال نفق مظلم
المخرج فضل يانس
07-12-2019 11:23 AM
التساؤل الذي يفرض نفسه هو هل يمكن لإسرائيل أن تتنازل عن القدس خاصة في ظل الموقع المتميز والقوى اللذين تتمتع بهما إسرائيل راهنا؟
لقد عبر نتانياهو بغطرسة شديدة عن النوايا الإسرائيلية في القدس، وفي هذه النوايا لم تكن مسألة إلحاق القدس بإسرائيل بل كيفية تحقيق هذا الهدف في ضوء العقبات والظروف العسكرية والاقتصادية التي تواجه تحقيقه.
أن مسألة القدس ليست مسألة ترتيبات في أساسها ولا حتى مسألة سياسية بل في نظر نتانياهو في المقام الأول مسألة قدرة عسكرية أن أفكار نتانياهو تبني أحلامها على أجساد الشعوب والمستعمرات تقام على قبول المؤمنين أنها أفكار محتال يدخل من شقوق الجدران ولا يخرج إلا بزوال المنطقة أو يزول هو بزوال الغباوة من هذا العالم.
فقد وضع نتانياهو الأساس الاستراتيجي لكيفية التعامل مع القدس فهو يمارس خطة الاستيلاء على المدينة مؤكداً قول دايان أمام حائط المبكى لقد اعدنا توحيد المدينة المقدسة ولن نبارحها أبداً. ونريد أن نذكر أنفسنا بهذه الحقيقة بعد أن عادت استراتيجية اللأات الإسرائيلية بعد ظهور نتانياهو وعودة الليكود إلى الحكم وإحياءهم لمنهج الكومنولث العبري الذي نادى وينادي به نتانياهو وتعد استراتيجية اللأات من ثوابت السياسة الأمنية لإسرائيل ببعديها الخارجي والدفاع وأهم هذه اللأات هي لا لمناقشة موضوع القدس- لا لإقامة دولة فلسطينية – لا لإزالة المستوطنات. وأن مسألة الاستيطان الإسرائيلي بصفة عامة وفي القدس على وجه الخصوص إذن من ثوابت الاستراتيجية الحاكمة وعلى رأسها نتانياهو الذي يؤكد أن مشروع قيام المستوطنات صمم على أساس قيام هذه القلاع وتقويتها كقواعد بشرية بل واقتصادية تصد وتمنع التلاحم الفلسطيني على الأرض وأن مخطط نتانياهو الاستيطاني في مدينة القدس لاستكمال تهويدها وإزالة ما تبقى من هوية عربية إسلامية ولم يعد خافياً أبعاد مخطط نتانياهو لتحقيق الهدف الأساسي المتمثل في القدس الكبرى الموسعة (يهودية نقية وكتلة استيطانيه) ضخمة تمزق مرة واحدة وإلى الأبد الوحدة الجغرافية للضفة الغربية وعلى ما يبدو فإن هذا المخطط يستهدف أن تكون القدس الكبرى بمثابة متروبوليتان تمتد غرباً باتجاه تل أبيب وجنوباً باتجاه حلحول والخليل وشمالاً إلى ما وراء رام الله وحتى حدود أريحا شرقاً وهو ما يعني الضم الكامل للقرى القديمة وهذا الهدف يتمثل في ضم حوالي 1250 كم ثلاثة أرباع من أراضي الضفة الغربية.
وأول ما شرع به نتانياهو والذي يهدف في المرتبة الأولى إلى الدمج التام بين شرق المدينة غربها وتحويل الأحياء العربية إلى (جيتوات) فقيرة معزولة يتم تفتيتها إلى وحدات سكنية صغيرة جداً وفي المرتبة الثانية إلى إنجاز تطويق القدس بالحزام الاستيطاني واستكمال تهوديها.
أما أخطر أهداف نتانياهو فهو ما يتعلق بالمسجد الأقصى وإقامة ما يسمى بهيكل سليمان على انقاضه وتستخدم إسرائيل أجهزة متطورة لأحداث موجات اهتزازية عنيفة تسرع في تحقيق هذا الهدف ومما لا شك فيه أن نجاح الإسرائيليين في تقسيم الحرم الإبراهيمي بين المسلمين واليهود وتحويل جزء منه إلى كيتس (يهودي) يعد سابقة خطيرة لم يشهد التاريخ لها مثيلاً وتحدياً سافراً لمشاعر المسلمين في العالم وانتهاكاً صارخاً لكل القرارات الدولية التي تمنع إسرائيل من التعدي على المقدسات الإسلامية في فلسطين أو تغير هويتها أو طمسها.
أوليس تطرف نتانياهو الخفي والمعلن الذي يذهب الأوطان إلى ظلمة القبور- هي الغطرسة الشديدة التي ستغمر حياة الإسرائيليين بالتراب أن نتانياهوا سيجد راحة في العزلة والانفراد ويتوارى في كهفه حتى يبرأ أو يموت. أن عذاب النفس الفلسطينية بثباتها أمام المحتل الإسرائيلي وأفكار نتانياهو لهو أشرف من تقهقرها إلى نفق الاحتلال الظلوم وأن المتطرفون في إسرائيل عبيد الحياة وهي العبودية التي تجعل أيامهم مكتنفة بالذل يعيشون مجرمين ويموتون مرذولين ويسمون الأمور بغير اسماءها فيدعون الاحتيال ذكاء والثرثرة معرفة، فهل يقطن الذل في جوار القنوط؟
أن أفكار نتانياهو سترى خيال الموت وجهاً لوجه لترمي بالمنطقة إلى الهاوية هي أفكار يريد صاحبها أن يصرف شعوب المنطقة العمر كله كالأعمى السائر في المعابر الخطرة. وهل بإمكان البشر أن يعرفوا الحقيقة؟ فأي تعاليم جعلتكم تصيرون كالذئاب؟ وكيف تنذرون العفة وقلوبكم مفعمة بالاحتلال الشعوب.
فلا صفقة القرن. ولا فرعون ترامب ولا نتانياهو قادرين على مواجهة وتثبيت الأمن لدولة إسرائيل خاصة وأنها تواجه مشكلة أمن قائمة على نظرية الخوف يتعرض فيها وجودها ذاته للخطر وهنا ما يجعلهم يؤمنون بضرورة عدم إقامة سلام مع الجيران العرب لأن ذلك لن يسمح بقيام الحلم (إسرائيل الكبرى).
سلام على القدس- سلام على قدس الفاروق. وصلاح الدين والحسين بن علي سلامٌ من أهلهم في الأردن الذين ما خذلوا نداء الدم ولا غابت عن أعينهم بصائر الأقصى. سلام على القدس.