القاضي تكتب: تهديد ملكي بتعليق "السلام"!
إخلاص القاضي
06-12-2019 12:10 AM
قد لا يتردد جلالة الملك عبدالله الثاني البتة بتعليق اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية في حال نفذّت دولة الاحتلال تهديدها الباطل والمعتدي بضم غور الاردن وشمال البحر الميت الى كيانها المفتعل، فلن يرضى جلالته ولا بأي شكل من الاشكال هذا اللامنطق أو الاستهداف لتلك المنطقة مهما كان مصدره، هذه ثوابت أردنية راسخة لا حياد عنها بتاتاً.
فماذا يقصد "بنيامين نتنياهو" بذلك التهديد في وقت حقق به الأردن نصراً مؤزراً باستعادة الباقورة والغمر للسيادة الاردنية، وكأن به "أي نتنياهو" يريد اقناع قاعدته الانتخابية بعد أفولها بأنه هو من "يصول ويجول ويهدد ويتوعد وهو الآمر الناهي"، ولكن لا، ليس على حساب موقف الأردن الذي يقوده الهاشمي الأمين المؤتمن على استكمال أمانة المسؤولية التي حملها الهاشميون بوجدان عروبي لا لُبس فيه ولا جدل...
يعتقد نتنياهو كما العقلية اليمينية المتطرفة أن تلك المنطقة ساحة مستباحة لجنونه الصهيوني، يقرر أن يسرق منها مساحات متى يشاء، ظناً منه أن الأردن سيسكت أو أنه يستند حقاً على اسرائيل في حماية وجوده !، وهذه هي النظرية المستبدة الفاشلة التي ينطلق منها في قراءته للأردن ولموقعه، هذا الأردن الحضاري الذي دخل مفاوضات السلام مع الكيان المحتل، بعقلانية وندّية ودون أن يقدم أية تنازلات سيادية، بل على العكس كان سبّاقاً وما زال في اطلاق مبادرات السلام التي تحفظ حقوق الاردن، وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره على أرضه واستعاده حقوقه المشروعة وفقاً للقرارات الدولية ذات العلاقة، غير أن الغدر كان دائماً من دولة لا تريد السلام، بل تعتبر الأردن" منطقة عازلة" ليس أكثر، أو حارس حدود، ولكن هذه النمطية الرجعية، لا تعلم أن الأردن دولة مستقلة ذات سيادة لها الحق في استخدام كل الوسائل المشروعة للذوذ عن حدودها ومساحاتها ومقدراتها وسمائها وأرضها وترابها ومياهها الاقليمية، ولا تعلم أو تتجاهل ربما، أن الاردن بجيشه ومخابراته ومدنييه في المدن والأرياف والبوادي، كلهم في ساحة الوغى جيشاً واحداً وقت اللزوم، فلا تُجربنا ونحن حماة الارض والمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، فضلاً عن دور المملكة المؤثر بالتدخل في التخفيف من الأزمات التي أندلعت في المسجد الأقصى المبارك، وكان تدخلها ايجابياًوعاملاً أساسيًا في تهدئة الاوضاع هناك.
بعض المسؤولين الاسرائيليين يرون أن سوء العلاقة بين عمان وتل ابيب مرده الى سياسات ومواقف نتنياهو المتطرفة الكارهه للسلام والاستقرار، والمتطلعة دوما للكرسي من خلال وعود انتخابية قائمة على سياسات استعمارية تتجاهل كل المواثيق الدولية وبنود اتفاقية السلام الاردنية الاسرائيلية وحق الأردن بالدفاع عن وجوده وكيانه وحدوده واستقراره.
يعتبر نتنياهو المتطرف أن السيطرة على غور الأردن أمر ضروري لمنع قيام دولة فلسطينية في المستقبل، فضلاً عن أهمية المنطقة لاسرائيل المستعمرة استراتيجياً وزراعياً واقتصادياً وسياحياً وامنياً، غير أن هذا اللامنطق يُدمر حل الدولتين ويقوض من فرص السلام، ويزعزع الاستقرار في المنطقة، وهو عودة على مربعات العدوان والحروب واللاسلم.
على اسرائيل أن تلتقط الاشارة بجدية أيضاً، فعالم المستقبل هو عالم الأمن والاستقرار والانتاجية، أما الوعيد بمزيد من احتلالات لا يجلب للمنطقة سوى التردي والتخلف والتراجع والعنف والعنف المضاد على حساب التنمية والازدهار وقيم السلام، وعلى اسرائيل أن تحترم بنود اتفاقية السلام، وأن تكف عن سياسات التهديد، وربما النظر للأردن على أنه في" الجيب"، وأن الأردن يحتاج اسرائيل للبقاء والاستمرار، وهذا اللامنطق أبعد ما يكون عن كينونة الدولة الأردنية المتجدرة والراسخة والباقية رغم كل ما يحيط بها، فالأردن الذي خبِر ويلات الحروب من حوله، وعلى أرضه، يدرك جيداً قيم السلام والاعتدال والأمن والأمان، في وقت تدق به اسرائيل طبول الاحتلال عازفة على أوتار بالية حيث لا صوت ولا صدى.
ان محاولات نتنياهو البائسة للعبث بالأمن في المنطقة من منطلقات صهيونية وادعاءات تاريخية مزعومة وأيدولوجية مُفبركة، كل هذه الادعاءات باتت مكشوفة حتى للناخب الاسرائيلي الذي يدرك تماماًمدى اخفاقاته لاسيما في سياق الملاحقات القضائية التي تطاله بتهم فساد وسوء استخدام للسلطة، فننصحك أيها العائد من زمن لا عودة له، أن تغير من أدواتك، وأن تجنح للسلم، بل وتعيد الأراضي العربية المحتلة في فلسطين وسوريا ولبنان، قبل أن تتجاهل كل هذا، وتسلط سهامك على قضم جديد، حتى لو غازلت الرئيس الامريكي دونالد ترامب وتحدتث معه بأهمية ضم غور الأردن لضمان حدود اسرائيل، فمنذ متى كان لكم دولة؟!
أما بعد، فليس غريباً على ملك أردني يقود جيشاً عربياً مصطفوياً وشعباً كله "جند" أن يتسلح بالحق والايمان والعزيمة والارادة ويمنع بكل الوسائل أي تهديد قد يطال الأرض العربية الواحدة الموحّدة، فالثوابت الأردنية واضحة وراسخة ولن تتغير على هوى اسرائيل ولا غيرها، فبين الحفاظ على أرضنا وعرضنا، وبين علاقة سلام لا تؤمن لنا الحد الأدنى من الحفاظ على أخلاقيات العهود، لا خيار لنا سوى الدفاع عن الكرامة والشرف والحق، وعلى اسرائيل أن تلتقط الرسالة وتكبح جماح احلام اليقظة "النتنة"، وفوراً، وعليك يا "نتنياهو" أن تبحث عن بطولات وهمية أخرى، خارج سياق تفكيرك المريض بضعف الأردن وقلة حيلته، أو سكوته على ضم غور الاردن وشمال البحر الميت.