التمديد لمجلس النواب .. هل ثمة ضرورة ؟
د.طلال طلب الشرفات
05-12-2019 08:06 PM
من المتفق عليه في الحياة السياسية والأفق الدستوري أن مدة مجلس النواب هي أربع سنوات شمسية التزاماً بأحكام الفقرة الأولى من المادة التي تنص على أنه "مدة مجلس النواب أربع سنوات شمسية تبدأ من تاريخ إعلان نتائج الانتخاب العام في الجريدة الرسمية وللملك أن يمدد مدة المجلس بإرادة ملكية إلى مدة لا تقل عن سنة واحدة ولا تزيد على سنتين" ولمقتضيات المصلحة العليا للدولة وبصلاحيات مباشرة وغير مشروطة أجاز المشرع الدستوري لجلالة الملك تمديد مدة مجلس النواب لمدة لا تقل عن سنة ولا تزيد عن سنتين.
والحقيقة الراسخة أن الظرف العام للدولة وحالة الاحتقان الشعبي العام غير المسبوقة والتي بلغت ذروتها في إضراب المعلمين يشي بضرورة التوقف مليَّاً قبل تنسيب الحكومة بتمديد المجلس لأي مدة كانت؛ لأن الثقة العامة بالسلطات الدستورية في أدنى درجاتها، ذلك لأسباب يطول شرحها ولا يمكن أن يزيدها التمديد إلا سواً وتفاقماً، والانتخاب العام عادة يخفف من حالة الاحتقان ويعيد تلك المؤسسات إلى حالة اختبار جديد قد لا تطول ولكن يضفي مزيداً من الهدوء على المزاج العام، ويفتح المجال للمؤسسات العامة التقاط أنفاسها وإعادة انتاج حركتها من جديد.
ورغم كل ما قلناه إلا أن الانتخاب العام الجديد يحتاج إلى بيئة وطنية نظيفة تتمثل في ضرورة تجريم المال الأسود كجريمة فساد منصوص عليها في قانون هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، وتفعيل الآليات القانونية التي تكبح جماح الفاسدين ومشتري الضمائر، وتعزيز دور الهيئة في مراقبة نمو الثروة ومصادر الحملات الانتخابية وأوجه صرفها، وإلغاء ضوابط السرية المصرفية على حسابات الأشخاص المشمولين بإشهار الذِّمة المالية وفقاً لقانون الكسب غير المشروع، ومعالجة القصور التشريعي الذي ما زال ماثلاً في دور هيئة النزاهة في المراقبة غير المشروطة لنمو الثروة، وضرورة اعتبار الجرائم الانتخابية من الجرائم الماسة بالشرف والاعتبار.
وفي ظل حالة الإرباك في المشهد العام والإرتباك في سبل إدارة الدولة؛ أضحى من الواجب على المؤسسات الوطنية تعزيز ظاهرة التدخل الإيجابي في الحياة العامة لغايات إفراز نخب وطنية صادقة وفاعلة في ظل ضمور الدوافع الأخلاقية وانكماش إقدام النخب النظيفة والفاعلة على اقتحام المشهد العام والترشح للمواقع المنتخبة في البرلمان، والبلديات، والهيئات وكل الجهات المنتخبة في ظل سيطرة المال الأسود على كل مفاصل الدولة وركائزها المنتخبة، وأضحت مبررات التأثير الإيجابي لاستقدام القوى الصادقة المؤهلة النظيفة مطلباً وطنياً ملحاً دون لبس أو إبهام.
نحن بحاجة أيضاً إلى تحرير البوادي الثلاث من سياج الإغلاق المقيت الذي ينتهك قواعد المساواة الدستورية، والتلاقح الثقافي والسياسي لأبناء البادية الأردنية مع باقي قطاعات المجتمع الأردني، وبحاجة أكثر لمغادرة مساحات التقسيم، والانقسام العرقي، والجهوي لأننا في المحصلة شعب واحد، والتمايز الإيجابي هو المعيار الذي يجب أن ينهض لإشغال المواقع السياسية وغيرها، وهذا ما لا يمكن تطبيقه إلا بإزالة معايير التقسيم العرقي الواردة في قانون الانتخاب، وعلى أن يرافق ذلك تعزيز الحياة الحزبية بشكل فاعل ومدروس لينعكس أثرها على مخرجات العملية الانتخابية لمجلس النواب بعيداً عن اعتبارات أو أسباب مرحلية.
لا أعتقد أن خيار التمديد لمجلس النواب وارد في الظروف الحالية، ولا أظن أن مجلس النواب مؤهل من الناحية الشعبية والسياسية للاستمرار أكثر، ولكن التمديد خيار غير مشروط لصاحب الشأن، وهو الأقدر على تحديد مدى استخدامه، وفي بيت الأردنيين وكل المؤسسات الوطنية التي تملك المعلومة الدقيقة مؤهلة بمستشارين على درجة عالية من التأهيل والإدراك والقرب من نبض الناس، ويتمتعون باستقلالية وحياد غير مسبوق ولديهم الكفاءة على تقدير وتقييم مدى الحاجة لهذا الخيار، وسيبقى الأردن وطناً شامخاً عزيزاً مهاباً بقيادته الحكيمة الواعية وشعبه الوفي؛ ترعاه عناية الرحمن، وحمى الله وطننا الغالي من كل سوء..!!