في الطريق إلى الحلابات برفقة ملك إنسان
منذر محمد الزغول
05-12-2019 03:16 PM
لم يكن صباح هذا اليوم ككل الصباحات، فالبداية كانت تشير إلى أنني على موعد مع الفرح والسرور، لم يكن لدي أي معلومة عن تفاصيل هذا اليوم الجميل، لكن حدسي كان يقول لي إن هذا اليوم لن يكون كباقي الأيام.
انطلقت متوكلاً على الله العلي القدير من منزلي في مدينة عنجرة – محافظة عجلون إلى العاصمة الحبيبة عمّان، وكعادتها عمّان الحبيبة تحتضن بين جنباتها سكانها وكل زائريها ومحبيها، فهي عاصمة المجد والشموخ والعزة والكرامة.
دخلت بمعية عدد من شباب وشابات الوطن إلى جامعة الحسين التقنية، ولغاية الآن لا أعرف ما ينتظرني وإلى أين أنا ذاهب، في البداية حاضرتنا نشمية من نشامى الوطن، مؤكدة لنا أننا ذاهبون إلى عمل تطوعي في منطقة أردنية لم تخبرنا عنها، حاولنا بشتى الطرق والسبل معرفة إلى أين سنتوجه ولكنها كانت تقول لنا طوال الوقت أنني شخصيا لا أعرف سوى أننا ذاهبون إلى عمل تطوعي يخص مركزاً لذوي الاحتياجات الخاصة.
انطلقنا بعدها بيمن الله ورعايته بحافلة متوسطة خارج عمان لمسافة زادت عن الـ 200 كم على الأقل، ولغاية الآن لا نعرف أيضاً إلى أين سنتوجه، بالرغم من سؤالنا المتكرر لسائق الباص والمرافقين لنا، إلا إنهم أكدوا لنا عدم معرفتهم أي شيء.
توقفت الحافلة التي تقلنا قبل وصولنا إلى قرية نائية بالقرب من منطقة الحلابات لمدة نصف ساعة على الأقل، ولا أخفيكم هنا أن الشباب والشابات الذين معنا بدأوا يشعرون بنوع من الحيرة والضجر، وبمقابل ذلك كانت الابتسامات العريضة على وجوه المرافقين لنا بالحافلة، وبكلمات سرعان ما تراجع عنها سائق الحافلة حينما أكد لنا أن كل تعبكم وحيرتكم ستزول بعد قليل، ولكنه تراجع وأكد أن ذلك مرده إلى قرب وصولنا الى مكان العمل التطوعي الذي سنشارك فيه.
بعد ذلك بدقائق وإذا بسيارة جيب سوداء تقف خلف الحافلة التي تقلنا وبسرعة نزل سائقها من مركبته التي كان يقودها شخصياً ودخل علينا مباشرة إلى الحافلة، وإذا هو بالفارس الهاشمي ملك القلوب والإنسانية والتواضع والخلق، الملك عبدالله الثاني الذي علّم الدنيا كلها كيف تكون الإنسانية وكيف يكون التواضع، يصافحنا واحداً واحداً والابتسامة كعادتها تُنير وجهه الطاهر النقي، وبالطبع نحن من شدة الفرح والسرور لم نتمالك أنفسنا، فمنا من صفق بحرارة ومنا من هتف للملك الإنسان والوطن ومنا أيضاً من لم تسعه الدنيا كلها من الفرحة والسرور، كيف لا وهو يقابل ويجلس أمام ملك طيب كريم شجاع أحب شعبه وقدم كل وقته وجهده ليرى هذا الشعب بأحسن حال.
جلس الملك الإنسان بيننا في الحافلة التي تقلنا بكل تواضع وإنسانية ، سلم علينا جميعنا وتحدثنا معه بكل أريحية وصراحة، وسأل عنا وعن محافظتنا، محملاً إيانا السلام والتحية لأهلنا وعزوتنا، وبقينا نتحدث مع جلالته إلى أن وصلنا إلى مكان العمل التطوعي الذي جئنا وجلالته من أجله.
المكان ليس كباقي الأماكن، فهو أيضاً قصة وحكاية ، هو مكان يحبه الملك الإنسان ، ويحب كل من بداخله ، هو مركز لذوي الاحتياجات الخاصة ومدرسة لطلبة المنطقة، ويالها من فرحة كبيرة ارتسمت في المنطقة ، ووالله إني رأيت السعادة والفرحة التي لم أراها منذ زمن طويل ترتسم على وجوه ذوي الاحتياجات الخاصة ، فرحة أيضاً انعكست على المنطقة وسكانها ، وفرحة أيضاً ارتسمت من جديد على محيا ملك البلاد ، الذي أصر أن يسلم عليهم واحداً واحداً.
لم ينتظر الملك طويلاً فسرعان ما حمل فرشاة الدهان وبدأ يعمل مع كل الشباب الموجودين بكل إنسانية وتواضع ، وهذه هي أخلاق الهاشميين على مر الأزمنة والعصور.
ودع جلالة الملك بعدها الحضور والمتطوعين ، وكأن لسان حاله يقول ليت الظروف تسمح لي بقضاء وقت أكثر من ذلك مع هذه الفئة العزيزة، لكننا نعرف جميعاً أن الملك سيكون بعد ذلك بمنطقة أردنية أخرى بتفقد أحوالها ويشرف بنفسه على واقعها .
ركبنا من جديد بالحافلة التي تقلنا، فلا سائق الحافلة سائق عادي ولا المرافق مرافق عادي ولا النشمية التي كانت ترافقنا أيضاً مرافقة عادية، فسائق الحافلة هو ضابط برتبة رائد وهو السائق الشخصي لجلالة الملك ، والمرافق هو ضابط من كبار مرافقي جلالته ، والنشمية أيضا من كبار موظفي الديوان الملكي.
وفي طريق العودة أيضا بدأ الزملاء في الرحلة يروون القصص والحكايات عن الملك الإنسان وخلقه وتواضعه، يعبرون عن فرحتهم وسعادتهم بلقاء الملك، والمفاجئة الكبيرة التي كانت تنتظرهم ، كنت أنظر طوال رحلة العودة باهتمام إلى وجوه الزملاء ، أقسم بالله أن الابتسامة الجميلة لم تفارق محيا أي واحد فيهم ، بل إنني أجزم أن هذا اليوم سيكون من أجمل أيام حياتهم ، كيف لا وهم بمعية ملك علّم الدنيا كلها كيف يكون التواضع والإنسانية.
أخيراً إنسانية وتواضع الملك لم ولن تقف عند أي حد ، ففي طريق عودتنا ، أوصى جلالة الملك كبار موظفي الديوان الملكي وضباط الحرس الملكي أن يوصلوا كل شاب وشابه إلى باب بيته في المنطقة التي يسكنها، وبالفعل تحركت ثلاث حافلات على الفور واحدة إلى جنوب المملكة وواحدة الى شمالها وحافلة أخرى إلى وسط المملكة ، حيث أصر سائقي الحافلات أن يوصلوا كل واحد فينا إلى باب بيته ، وطوال رحلة العودة كانوا يرددون جملة واحدة أنكم وصاه سيدنا حفظه الله ورعاه.
شخصياً قد أكون قابلت جلالة الملك عدد من المرات في الديوان الملكي وفي محافظة عجلون وفي عدد من المحافظات الأردنية ، و كل مقابلة كانت تترك في نفسي أثراً كبيراً ، لكن هذا اللقاء وهذه المقابلة تحديداً تركت في نفسي أشياء كثيرة ، من أهمها أننا نحظى بملك إنسان شجاع متواضع يواصل العمل بالليل والنهار ليرى شعبه بأفضل حال ، أسال الله العلي القدير أن لا يصيبه أي سوء أو مكروه، فهو الضمانة الحقيقية لنا في هذا الوطن المحاط بالصراعات والتحديات، لكننا رغم كل ذلك وبفضل شجاعة وحنكة ملكنا ما زلنا وسنبقى بإذن الله تعالى نعيش في وطن آمن ومستقر لن يستطيع أي حاقد وجاحد النيل منه ومن أمنه.
حفظ الله الوطن حراً عزيزاً ، وحفظ الله قائد الوطن سيد البلاد المفدى من كل سوء...
والله من وراء القصد من قبل ومن بعد...
،،،،،،،،،
منسق ومسؤول مبادرة الأردن بعيون مصوري عجلون
منذر محمد الزغول