مستقبل السلام بعد ربع قرن على وادي عربة
د. زيد نوايسة
05-12-2019 08:41 AM
يبدو ضرورياً وبعد ربع قرن على معاهدة وادي عربة الحديث عن مستقبل العلاقات الأردنية الإسرائيلية بعد انتهاء حالة العداء بمفهومه السياسي الرسمي بين الأردن ودولة الاحتلال ولكنه لم يؤسس لسلام حقيقي تتعايش معه الأجيال كحقيقة مستمرة وثابتة تنقل المنطقة برمتها من التوتر والقلق إلى سلام حقيقي عنوانه التعاون والتنمية، ذلك الرهان الذي ربما بدا واقعياً عندما أبرمت المعاهدة في 26/تشرين الأول/1994، بوجود رئيس الوزراء الإسرائيلي المغتال لاحقاً إسحق رابين آنذاك لكن سرعان ما تبدد بصعود بنيامين نتنياهو للرئاسة وفشل إنجاز تسوية حقيقية للقضية الفلسطينية الأمر الذي يعتبره الأردن هدفاً استراتيجياً ينهي أي خيارات على حساب أمنه القومي ومصالحه الوطنية.
الطرف الإسرائيلي سعى دائماً لتكريس فكرة التطبيع والتعاون الاقتصادي والأمني مع الأردن كأولوية دون إعطاء أي أهمية لمصالح الأردن المرتبطة بالملفات الأساسية وهي الأمن والحدود والمياه واللاجئون والوصاية الهاشمية على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وبنفس الوقت استمر بالاستفراد بالطرف الفلسطيني وفرض تسوية الأمر الواقع متسلحاً بدعم غير محدود من الإدارات الأميركية وآخرها إدارة الرئيس ترامب التي تغدق الهدايا على نتنياهو دون إدراك مخاطر ذلك على المنطقة ومسيرة السلام مستغلة حالة الضعف والانقسام الفلسطيني المزمن وتبدل الأولويات العربية وإعادة تعريف مفهوم الاستهداف للأمن القومي عربياً.
واضح أن التقديرات السياسية الأردنية تقرأ الأزمة مع إسرائيل بصيغة أبعد من نتنياهو، فهي تفهم جيدا سياقات التوظيف الانتخابي لكل وعوده السابقة التي فشلت في منحه الأغلبية لتشكيل الحكومة الخامسة وخلقت واقعاً لم تشهده إسرائيل منذ قيامها، فالأزمة اليوم مع اليمين الإسرائيلي كله الذي يريد أن يشوش على مصالح الأردن في ملفات مصيرية وأهمها ملف القدس وضم الأغوار وإفشال مشروع ناقل البحرين ومشاريع الطاقة والأخطر هو خلق واقع سكاني جديد في حال ضم الأغوار وشمال البحر الميت فهذه مخالفة صريحة للمادة الثالثة من اتفاقية السلام التي اعتبرت أن الحدود الدولية بين الأردن وإسرائيل هي الحدود زمن الانتداب البريطاني مع مراعاة عدم المساس بوضع الأراضي التي دخلت تحت سيطرة الحاكم العسكري الإسرائيلي (الاحتلال) العام 1967 وعدم تجاوز الحدود بما فيها المياه الإقليمية والمجال الجوي لأن ذلك يعني خرقاً للمعاهدة وللقانون الدولي.
على مدار أربع حكومات إسرائيلية ترأسها نتنياهو تراجعت العلاقات الأردنية الإسرائيلية كثيراً ومرت بمنعطفات خطيرة وتعاظم الإحساس بالخيبة لدى الأردن من وجود شريك حقيقي للسلام هناك بل ان الإحساس بوجود مخاطر استراتيجية تتعلق بالأمن الوطن الأردني يتعاظم في ظل الانحيازات الداخلية في إسرائيل نحو اليمين المتطرف وعودة السؤال مجدداً هل فعلا انتهى الخيار الأردني في العقلية الإسرائيلية التي تسعى لحل المأزق الإسرائيلي مع الفلسطينيين على حساب الأردن فكل الإجراءات الإسرائيلية الأحادية تؤكد ذلك.
ربما لم يعد ملائماً القول بأن هناك جمودا في العلاقات بين الطرفين. بل يصح القول بأن هذه العلاقات تمر في منعطف خطير تتحسب له عمان وتضع خيارات للتعاطي معه، ومن يتابع الخطاب السياسي للأردن وما يقوله رأس الدولة جلالة الملك عبد الله الثاني يدرك أن الأردن وجّه رسائل قاطعة للطرف الإسرائيلي بأن كل شيء وارد فيما إذا أقدمت إسرائيل على أي مساس بمصالح الأردن وسيادته، فعندما يقول الملك قبل أسابيع في ندوة معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى بأن العلاقات بين الطرفين في أسوأ حالاتها وأن على الولايات المتحدة الأميركية التركيز على جمع كل الأطراف على طاولة المفاوضات؛ يكون ذلك بمثابة النداء الأخير ليتحمل الجميع مسؤوليته.
الغد