سيناريوهات الانتخابات القادمة ..
د.حسين الخزاعي
07-12-2009 02:39 AM
انقضت الايام الخمسة المقررة لإجازة عيد الاضحى المبارك ، ولكن الحراك الاجتماعي الذي بدأ مع انطلاقة صبيحة يوم العيد لم ينقض ، فالحراك شهد هذا العيد زخما يختلف عن عيد الفطر المبارك الذي لم يصاحبه زيارات الى دواوين وتجمعات المناطق الانتخابية والقواعد القريبة ، مثلما جرى في هذا العيد ، فالمشاركة في المناسبات الاجتماعية وتقديم العزاء والحرص على التواجد والظهور حتى في شوارع القرى والمدن ، وارسال مندوبين عن المرشحين السابقين والاسبقون للانتخابات لجس نبض القواعد الانتخابية كان السمة الغالبة في هذا العيد.
هذا الحراك والنشاط الذي دب فجأة على الراغبين والطامحين للترشيح للانتخابات بعد ان اغلق بعضهم الابواب على نفسه لسنتين بعد اعلان نتائج الانتخابات الماضية ، ويبدو انهم منحوا انفسهم غفوة لمدة اربع سنوات حيث لم يضعوا في الحسبان حل البرلمان ، بالرغم ان جميع المعطيات كانت تشير الى حل البرلمان وان المجلس في الدورة الاستثنائية الاخيرة لفظ انفاسه الاخيرة ، وبلا رتوش او مجامله كتبت في عمون بتاريخ 9/10/2009 الى ان حل البرلمان لا رجعة عنه ولن يلتئم مرة اخرى وخاصة بعد ان اخفق النواب في الحصول على اجابات منطقية واضحة في معظم تساؤلاتهم للحكومه منذ بداية المجلس وتسيد وتفشي ظاهرة " حكلي بحكلك " ما بين النواب والحكومة وكانت النتيجة ان الحكومة اضعفت البرلمان الذي لم تنفعة الثقة الذهبية غير المسبوقة التي منحها لرئيس الحكومة وكانت النتيجة حل البرلمان .
بالرغم من كل المؤشرات التي كانت تؤكد حل البرلمان ، الا ان المفاجأة كانت حليف الناخبين اي القواعد الانتخابية وفي نفس الاتجاه كانت حليف المرشحين للانتخابات ، لذا كانت العودة اصعب بالنسبة للمرشحين من العودة لقواعدهم بعد هذا الانقطاع غير المبرر ، وفي نفس الاتجاه فان الناخبين يجدون في عودة المرشحين اليهم بمثابة حاجة لاصواتهم الانتخابية ودعمهم ومؤازرتهم في الانتخابات القادمة . بالرغم من هذه الحقائق الا ان لكل حساباته وتكتيكاته والتي بدأت ولن تنتهي الا بعد اغلاق العملية الانتخابية للبرلمان السادس عشر القادم بالرغم من عدم معرفة تاريخ الانتخابات القادمة او النظام الانتخابي القادم . وبرغم ذلك فان التنافس بدأ على اشده ، وحرب الاشاعات وكولسات ودهاليز الانتخابات والتي يتقننها ويتفنن في نسجها فنيون في ادارة عمليات الانتخابات ومتابعة الاصوات ورصدها وحركتها واتجاهاتها من رجالات العشائر والوجهاء ومتابعي الاصوات الانتخابية ، لذا بدأت عمليات سريعة في لململة الاوراق وحصر الملفات وتشكيل لجان تطوعية لمتابعة اتجاهات الناخبين ، ومحاولات اصلاح ذات البين بين افراد العشائر التي تاثرت علاقاتها الاجتماعية بسبب الانتخابات الماضية وما صاحبها من افرازات ومشاحنات وتوترات غير صحية في الانتخابات الماضية وما صاحبها من قطيعة غير مبررة من قبل الاطراف التي شارك في الانتخابات اكثر من مرشح واحد عن العشيرة الواحدة ، وعانت معظم العشائر الاردنية من التمزق والفرقة وعدم الاجماع على مرشح واحد ووصل عدد المرشحين في بعض العشائر الى (13) مرشحا عن عشيرة واحدة . وفي المقابل فان العشائر التي اجمعت على مرشح واحد وهي قليلة جدا كان حليف مرشحها الفوز في الانتخابات .
الانتخابات القادمة :
من خلال رصد ومتابعة مجريات الانتخابات للمجلس السابق التي جرت بتاريخ 20/11/ 2007 ، ولان التاريخ يعيد نفسه ، ومشاريع النواب والطامعين والطامحين للترشيح والفوز في الانتخابات القادمة هم نفس الوجوه او الاسماء او استنساخ عن هذه الاسماء نستطيع ان نلخص تصورات العملية الانتخابية للمجلس القادم فيما يلي :
على صعيد المرشحين بلغ العدد النهائي للمرشحين للمجلس السابق( 2007 ) 1006 مرشحا ومرشحه ، بينهم 199 مرشحة اي بنسبة (22.6 % )، وبعد الاسنسحاب بقي منهم 885 مرشحا وكانت عملية التسجيل للانتخابات النيابية قد اخذت من اليوم طابع التنافس العشائري القوي وعدم الاجماع على مرشح واحد ليكون ممثلا للعشيرة في كافة محافظات والوية المملكة وحتى مناطق البادية ( الشمالية ، الوسط ، الجنوبية ) غلب على بعض عشائرها عدم الاتفاق والاجماع على مرشح واحد ، باستثناء بعض العشائر الاردنية في المملكة . ويلاحظ ان الانتخابات السابقة (2007) قد زاد عدد طلبات الترشيح بها (240) مرشحا عن انتخابات عام 2003 حيث كان العدد 765 مرشحا اي بزيادة مقدارها (23%) . واذا افترضنا ان نسبة الزيادة في عدد المرشحين ستكون باعتماد هذه المنهج التاريخي التنافسي للترشيح للانتخابات فان عدد المرشحين للانتخابات القادمة سيكون ( 1250) مرشحا ومرشحه ، منهم ( 300) مرشحة .وهؤلاء المرشحون يمثلون اسماء شخصيات شغلت مناصب رفيعة في الدولة ( وزراء سابقون ، امناء عامون ، متقاعدون عسكريون ، قضاه ومحامون ونقابيون معروفين في الوسط الشعبي ، نواب سابقون ، اعيان سابقون ، ابناء وبنات وزراء سابقون ، اكاديميون ، نقابيون ، صحافيون ، مقاولون وتجار واصحاب شركات ، اعلاميات ) مما سيجعل المنافسة قوية بين المرشحين ، وهذه في المعنى السياسي تعتبر خطوة متقدمة حيث ان المشاركة الفعالة من قبل كافة ابناء المجتمع تعطي حيوية وروح وفعالية في العمل الاجتماعي والنيابي . والمعطيات تؤكد لتاريخة ان ( 80 ) من اعضاء المجلس السابق سوف يرشحوا انفسهم للانتخابات لهذا المجلس ، وان (200) نائب اسبق ووزير اسبق سوف يرشحوا انفسهم للمشاركة في الانتخابات ، و 150 من الاحزاب السياسية الاخرى ، وان معظم النائبات من اللواتي فزن على نظام الكوتا النسائية قد سوف يرشحن انفسهن للانتخابات مما يرفع سخونة التنافس النسائي النسائي للانتخابات ، وعدم الاجماع على مرشحة واحدة من قبل العشائر وهذا سيضعف فرص الفوز بين مرشحات العشائر وتجربة انتخابات 2007 سوف تتكرر في هذه الانتخابات .
جبهة العمل الاسلامي
جبهة العمل الاسلامي فشلت في الانتخابات السابقة في ايصال معظم مرشحيها للفوز في الانتخابات لاسباب لا داعي للخوض في تفاصيلها ولعلي احملها في الدرجة الاولى الى التكتيك الخاطيء الذي وقعت فيه الجبهة عندما تاخرت في اعلان اسماء مرشحيها ، والضربة القاصمة التي تجلت في الغياب غير المقنع وغير المبرر لامين عام حزب جبهة العمل الإسلامي انذاك الشيخ زكي بني إرشيد عن المؤتمر الصحفي الذي عقد يوم 7 / 10 / 2007 بحضور رؤساء الفروع الـ 24 للحزب وأعضاء القائمة النهائية التي تم ترشيحها لخوض الإنتخابات النيابية بإسم أخوان الأردن، وهذه كانت بمثابة رسالة اعتذار عن المشاركة في الانتخابات النيابية ولكن تمت بطريقة ملتوية من الجبهة لاضعاف مرشحي الجبهة وعدم فوزهم في الانتخابات حيث كانت النتائج بمثابة صدمة للجميع . وكذلك اتباع الاخوان تكتيك تخفيض عدد المرشحين وتخفيض عدد الدوائر الانتخابية حيث انه وللمرة الاولى يطرح الحزب (22) مرشحا في (18) دائرة انتخابية من اصل (9) محافظات . وهذا التكتيك الذي طبق في انتخابات المجلس الحادي عشر (1989 (بفارق (4) مرشحين ؛ حيث ترشح في ذلك الوقت (26) مرشحا ، ومن خلال رصد وتحليل سيناريوهات مشاركة جبهة العمل الاسلامي في كافة الانتخابات النيابية فان الجبهة سوف تلجأ الى استخدام القاعدة الذكية " استبدال مرشحين وابقاء مصوتين " اي ان القوة التصويتية في الدوائر الانتخابية للاخوان المسلمين في محافظات " عمان ، الزرقا، اربد " ستبقى كما هي وطرح اسماء جديدة في بعض الدوائر في محافظات اربد والبلقاء وعجلون عليهم اجماع (عشائري وحزبي)، وبالتالي فان جبهة العمل الاسلامي سوف تطرح 24 مرشحا فقط ، ومنهم ستكون اسماء تطرح للمرة الاولى وذلك لمنح وجوه جديده الفرصة في المشاركة في الانتخابات ورغبة من الحزب في اقناع الشارع الاردني بان الحزب يتبع اسلوب التوزيع والعدالة في منح الفرصة لغير هؤلاء النواب الذين يتداورون على كرسي النيابة منذ عام 1989 . واي اسلوب او تكتيك سوف تلجأ له جبهة العمل الاسلامي في الانتخابات القادمة حتى لو عدل قانون الانتخاب فان نسبة نجاح مرشحيها لن تتجاوز نسبة قوتها التصويتية في الانتخابات والتي لا تتجاوز (10) في احسن الاحوال .
(. اما فيما يتعلق بالاحزاب السياسية الاخرى فسوف تشارك في الانتخابات بطرح مرشحين بدون اعلان اسماء الاحزاب التي ينتمون اليها حتى لا يخسروا اصوات العشائر .
تكاليف الحملات الانتخابية
في لقاء للباحث مع عدد من المرشحين الذين خاضوا الانتخابات الماضية 2007 افاد عدد كبير منهم بأن تكاليف حملته الانتخابية لم تقل عن (50) الف دينار اردني ، وافاد مرشحين ان حملتهم الانتخابية تجاوزت ال (150) دينار اردني ، ومرشح واحد فقط من بين 885 مرشح ومرشحه افاد بأن حملته الانتخابية بلغت (11.000) دينار ، وفي جولة للباحث تخللها عدة لقاءات مع عدد كبير من المرشحين " افاد عدد كبير منهم ان حملته الانتخابية يرصد لها ما لا يقل عن ( 250) الف دينار ، وعدد محدود من المرشحين رصد لحملته الانتخابية (مليون دينار ) اردني ومنهم من هم خارج العاصمة " عمان " . وفي حسبة بسيطة ومع الاخذ بعين الاعتبار تكاليف ارتفاع الاسعار من عام (2007 ) الى تاريخة فأن العملية الانتخابية للمرشحين للانتخابات ستبلغ بحدود مائة وخمسون مليون دينار دون ان نأخذ بعين الاعتبار التكاليف والنفقات التي سوف تتكبدها الحكومة لضمان لتأمين كافة الوسائل والمعدات والاجهزة والموظفين واللجان التي تساعد على ضمان القيام بالعملية الانتخابية على اكمل وجه وبراحة ويسر وبشفافية وحيادية مطلقة . ويتوقع ان يتم تعليق وتجهيز مليون يافطة في شوارع ومدن المملكة كوسيلة دعائية للمرشحين . واذا حسبنا التكلفة التدويرية للنفقات التي ستخصص للانتخابات النيابية وعلى قاعدة ضخ (150) مليون دينار في السوق الاردني فان هذا يعني ان نصف مليار دينار سوف تستثمر في مجالات متعددة في الانتخابات النيابية جميعها تعمل بشكل دعاية ودعم للمرشحين .
وبعد ،،، اننا في ظل عدم وجود اعلان رسمي للنظام الانتخابي الذي سيتبع في الانتخابات القادمة او التوقعات بالابقاء على " قانون الصوت الواحد " مع ادخال تعديلات جوهرية عليه من حيث عدد الدوائر والمقاعد والكوتا النسائية ورفع عمر المرشح الى 35 سنة ورفع رسوم الترشيح وعدم نقل البطاقات وتساوي نسبة توزيع السكان في المحافظات مع نسبة توزيع المقاعد الانتخابية لكي تتخلص الحكومه من عقدة الجغرافيا والديموغرافيا . او اقرار اسلوب اخر في الانتخابات النيابية ، مهما يكن هذا القانون الانتخابي فان الانتخابات القادمة ستشهد تنافسا شديدا في كافة محافظات المملكة ، فهل سيعود (80) نائب من المجلس المنحل او من اعضاء المجالس السابقة ، ام اننا سنكون امام فرز اجتماعي جديد لنواب المستقبل ؟! .
• الكاتب : استاذ مشارك تخصص علم الاجتماع – جامعة البلقاء التطبيقية
Ohok1960@yahoo.com