هناك في أقصى الشمال، يعيش الحسود في كوخ جبلي محاط بورود جميلة وأشجار خضراء وارفة الظلال. لدى الحسود صديق هو البوم الذي يحذره دائما من روح الحكمة.
هذا الحسود جوال بين سهام الشمس وأصيلها. وقد حسد من كُتِبَ عليه أن يُحْسَد في يوم ما أو آخر . لقد حسد البشر على ربيعهم المزهر ولياليهم المزدانة بقمر أبيض. وحسد زرقاء اليمامة على حدة بصرها، وحسد لقمان على حكمته، حتى أنه حسد هبنقة لا على حمقه بل على شهرته.
في كوخ الحسود مرآة سحرية سيدتها الحكمة، والحكمة متضايقة من الحسود إذ تريد أن تنتقم منه لأنه لعنها ذات يوم.
قد استيقظ الحسود من سهاده الطويل متأخرا كعادته، فقام ليغسل وجهه بماء النهر. قد حلت روح الحكمة على صديقه البوم. وفي طريقه إلى النهر، حياه البوم قائلا: أسعدت صباحا يا سيد السادات، فرد الحسود قائلا: وأسعدت صباحا يا سيد الليل. فبدأ يغسل وجهه، وعندما أنهى غسيل وجهه إلتفت إلى صديقه البوم، فوجده متضايقا بعض الشيء، فقال له: ما بك؟ مكتئب متشائم يائس؟
عندها يقظ البوم وقال له: يا صديقي مرت سنوات طويلة وأنت لم تر وجهك! أجابه الحسود: وما الخطأ؟ ما بيت القصيد؟ رد البوم: كيف؟ أنت لم تر وجهك منذ ماتت أمك! وهذا شيء لا يحتمل ألا ترى وجهك لمدة طالت المئة سنة!
بسرعة برق دخل الحسود كوخه باحثا عن مرآته السحرية وقد وجدها مدفونة في جوف الماضي فالتقطها وخرج بها إلى حديقته أمام صديقه، وبدأ ينظفها ويمسحها، وعندما ارتسمت صورة جميلة لوجهه في المرآة، صاح قائلا: الله! الله! ما أجمل عيناي!
فجأة إستعاد البشر ربيعهم المزهر، ولياليهم المزدانة بقمر أبيض، واستعادت زرقاء اليمامة حدة بصرها، ولقمان استعاد حكمته، أما هبنقة فبقي أحمقا كما كان، ولكن سمعته طالت السماء.
وتخلصت الحكمة من لعنة الحسود بفضل حكمتها، وماذا جرى للحسود؟ قد حسد نفسه فصار أعمى البصيرة والبصر، وتاه في حديقته فسقط في النهر، ومات غرقا!
عندها قال البوم: "باق وأعمار الطغاة قصار!"
نعم، الحرية و العدالة والحق باقون، والحقيقة باقية، فالبقاء للحرية التي لا تفرق بين هذا وذاك. والبقاء للحقيقة التي يجب علينا نحن البشر مواجهتها، وأما العدالة والحق فهما رايتان تخفقان دوما بين الخافقين، بين السماء و الأرض، لكل البشر.
هذه هي قصة الحسود حسود نفسه.