الاستقواء على الدولة .. لماذا ومن المستفيد؟!
د.طلال طلب الشرفات
03-12-2019 06:20 PM
ثمَّة خلل لا يليق في إدارة الشأن العام، وثمَّة استقواء مُدان على الدولة بهيبتها، وشوكتها، وشرعيتها الدستورية في إدارة شؤونها، ولم يعد ممكناً تفهم استبدال المعايير القانونية، بالمعايير الجهوية والعشائرية والمصلحية في معالجة أوجه الاعتراض على قرار هنا أو إجراء هناك.
وعلينا أن نتفق أولاً هل نحن ملتزمون بسيادة القانون أم ما زلنا نصر على استخدام الفوضى والاستقواء لتحقيق مطالب سياسية أو خدمية؟. والأهم أين دور القضاء في كل ما يجري باعتباره الضامن للحقوق والحريات وفق أحكام الدستور؟.
حذرت دائماً أن المجتمع ان بقي على هذا الوضع سينزلق نحو فوضى لا تليق بشعب كما نحن، وقلت غير ذي مرة إن غياب العدالة، وشرعية التمثيل السياسي والإداري والجغرافي في ظل عدم وجود تمثيل حزبي وحكومات برلمانية يصنع فراغاً يتم تعبئته من قوى وأشخاص لا يتقنون قراءة المشهد الأردني العصي على التفهم والإحلال. ويحدوني الواجب الوطني التذكير بأن المجتمع الأردني مجتمع مركب يحوي مظاهر الوفاق تارة والعناد تارة أخرى، ويذهب بعيداً في خصومته السياسية عندما يتعلق الأمر بالكيان، والكينونة، والإحلال والإبدال.
ان الأسس التي قامت عليها الدولة الاردنية تفترض ان شرعية النظام السياسي الأردني توجب خيار سيادة القانون، والاستقواء هو نقيض سيادته والفساد السياسي هو السبب المباشر في زيادة الاحتقان الذي يصنع افتقاد القاعدة القانونية لعنصري الاحترام، والالتزام.
أتمنى أن يجاب على السؤال الأزلي في الدولة الأردنية ما السبب في الانكفاء على الشخصنة، وصناعة صراع مفتعل يؤدي لتثوير أدوات الفوضى والاستقواء؟.
وبالمقابل متى نتخلص من العشوائية والانطباعية في صناعة القيادات السياسية؛ لنصنع طريق العدالة والمساواة، وتكافؤ الفرص، ونتخلص من قوى التأزيم وقيادات الإقصاء الخفي لكل القوى الوطنية الإيجابية، الأمر الذي يؤدي بالضرورة لشيوع ظاهرة الإحلال، والإبدال المضادين رداً على تلك القوى التي اقتلعت معظم القوى الوطنية الصادقة من إدارة الشأن العام لأسباب سياسية ومنطلقات ذاتية أوصلت البلاد الى منعطف لا يليق بأصالة الوطن ورقي شعبه.
اتمنى على الرئيس أن يستمع مطولاً لرجالات الوطن التي تملك الرؤى، والتجربة، والخبرة، ومؤسساته الفاعلة التي تملك المعلومة الدقيقة المجردة، وقادة الرأي في البرلمان، والأحزاب الذين يملكون الثواب السياسي والعقاب وغيرهم من المخلصين الذين هم وحدهم قادرون على إعطاء النصيحة الصادقة في سُبل إدارة الدولة بنجاح، باعتبارهم يعبرون بدقة عن عقل الدولة، وضميرها الجمعي، وترجمة كتاب التكليف السامي، وأوراق جلالة الملك النقاشية إلى واقع على الأرض كي لا نحصد الفراغ. فالدولة لا تنهض إلا عندما يؤمن الناس بقادتها السياسيين والإداريين، وهذا عوار بان في عضد الحكومات منذ وقت ليس بالقصير واتسمت به بشكل لافت ومدان.
الهوية الوطنية الكفيلة بنبذ الاستقواء هي التي نقتسم فيها الأمل، ونتشارك الهم، والهوية الوطنية الجامعة هي انحناءة خجلة أمام تضحيات جلالة مليكنا المفدى من خلال ردم الهوة الواسعة بين توجيهاته الحكيمة، ورؤآه الثاقبة، وأفعالنا التي ما زالت مسجاة في مساحات الصراع بين قوى المحافظين، والقوى الأخرى الذي أقصى معظم القوى الوطنية الحيّة عن المشهد السياسي العام، وختاماً فإن الهوية الوطنية هي إيمان راسخ بأن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وحمى الله وطننا الحبيب من كل سوء..!!