الحصانة البرلمانية
اللواء المتقاعد مروان العمد
03-12-2019 04:33 PM
في هذه الايام وعلى وقع الطلب الحكومي برفع الحصانة النيابية عن اثنان من اعضاء مجلس النواب وطلب الأذن بمحاكمة وزيران سابقان احدهما عضواً حالياً في مجلس الأعيان ، جرى نقاش وحوار حول الحصانة التي يتمتع بها النواب والأعيان والوزراء وكيفية رفع الحصانة عن النواب والإذن بمحاكمة الوزراء . وقد ظهر على نطاق واسع عدم الإحاطة الكاملة بهذه الحصانة وشروطها وكيفية رفعها وحتى من داخل السلطة التشريعية نفسها مع انها تستند الى نصوص دستورية ومواد واردة في النظام الداخلي لمجلس النواب . كما كثر الحديث حول اجراء تعديل على النصوص الدستورية بهدف تضيق الحصانة البرلمانية بحصرها في الحصانة الموضوعية دون الإجرائية وما بين من يطالب بإبقاء الحصانة كما هي واردة في الدستور من غير أي تعديل ويقدم كل طرف مبرراته لموقفه . وسوف اتحدث اليوم عن حصانة السلطة التشريعية بشقيها النواب والأعيان دون التطرق لموضوع محاكمات الوزراء .
وبداية لا بد من وضع تعريف للحصانة البرلمانية والتي هي نوع من الحماية القانونية التي يعطيها الدستور الاردني لنواب الشعب في البرلمان كنوع من الحماية السياسية والقانونية حتى يستطيع النائب ان يؤدي وظيفته الدستورية كاملة بعيدا عن تأثير السلطة التنفيذية على اعضاء البرلمان بألترغيب والترهيب .
وحتى نلم بالنصوص الدستورية التي ضمنت هذا الحق فلا بد من استعراض الظروف التي استوجبت النص عليه في الدستور الاردني وتتطور هذه النصوص الى أن أصبحت على ما هي عليه الآن في المادتين 86 ، 87 من الدستور الحالي.
وكانت البداية تعود لعام 1928 عندما صدر القانون الأساسي والذي انتُخب على اساسه المجلس التشريعي الاول . وكان اهم بند على جدول اعمال هذا المجلس هو تصديق المعاهدة الاردنية البريطانية ، حيث رفض اعضاء المجلس التصديق عليها الا بعد إقرار نصوص تمنح اعضاء المجلس الحماية البرلمانية ، فما كان من سمو الأمير ( في ذلك للوقت )عبدالله ابن الحسين الا ان أنحاز الى جانب السلطة التشريعية والتي تم منحها هذه الحصانة بموجب تعديل ادخل على المادة 41 منه بحيث أصبح مضمونها بانه لا يلقى القبض على أحد اعضاء المجلس التشريعي او يحاكم خلال الدورة التشريعية مالم يعلن بقرار وجود سبب كاف لمحاكمته او ان يكون القي القبض عليه اثناء ارتكابه لجناية . ولكل عضو من اعضاء المجلس الحرية في التكلم ضمن حدود النظام الداخلي الذي اقره المجلس ولا تتخذ بحقه إجراءات قانونية من اجل أي تصويت او رأي او خطاب يلقيه . وإذا القي القبض على احد النواب لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقداً فيها فعلى رئيس الوزراء وعند انعقاد المجلس ان يبين أمامه الإجراءات المتخذة بحقه مع الإيضاح اللازم . ( لم اعثر على النص الحرفي الدقيق لهذه المادة ولذلك قلت ان هذا مضمونها . ومن هذا المضمون يستنتج ان الحصانة النيابية فيه لم تكن واضحة بشكل كامل وانها ركزت على الإجراءات والتصرفات الموضوعية لأعضاء المجلس اكثر من الأجرائية )
اما في دستور عام 1947 فقد جاء النص عل الحصانة النيابية في المادة 54 منه حيث نصت على انه لا يوقف احد الأعضاء ولا يحاكم في مدة اجتماع المجلس ما لم يصدر عن المجلس الذي هو منتسب اليه قراراً بألأكثرية بوجود سبب كاف لمحاكمته او ما لم يقبض عليه حين ارتكاب الجناية ، ولكل عضو الحرية في التكلم ضمن حدود نظام المجلس الذي هو منتسب اليه ولا تتخذ إجراءات قانونية بحقه اتجاه أي تصرف او تصويت او رأي يبديه او خطاب يلقيه أثناء مذاكرات المجلس . و اذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقداً فيها فيبلغ رئيس الوزراء المجلس عندما يعيد اجتماعه الأجراءات التي تمت مع ألإيضاح اللازم .
اما في دستور عام 1956 والمعمول به حالياً فقد جاء النص على الحصانة النيابية اكثر وضوحاً وتفصيلا وعلى مادتين . حيث ورد في المادة 86 منه فقره 1 لا يوقف احد اعضاء مجلس الأعيان او النواب ولا يحاكم خلال مدة اجتماع المجلس مالم يصدر من المجلس الذي هو منتسب اليه قراراً بالأغلبية المطلقة بوجود سبب كاف لتوقيفه او محاكمته او ما لم يقبض عليه في حالة التلبس بجريمة جنائية . وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فوراً
وجاء في الفقره 2 من هذه المادة اذا أوقف عضو لسبب ما خلال المدة التي لا يكون مجلس الأمة مجتمعاً فيها فعلى رئيس الوزراء ان يبلغ المجلس المنتسب اليه ذلك العضو عند إجتماعه الإجراءات المتخذة مشمولة بالإيضاح اللازم .
اما المادة 87 منه فقد نصت على انه لكل عضو من أعضاء مجلس النواب والأعيان ملء الحرية في التكلم وإبداء الرأي في حدود النظام الداخلي للمجلس الذي هو منتسب اليه ولا يجوز مؤاخذة العضو بسبب خطاب يلقيه .
وهذا النص هو اوضح نص على الحصانة البرلمانية التي ضمنها الدستور الاردني لأعضاء المجلسين والتي تشمل الحصانة الموضوعية والإجرائية بأستثناء حالةالجرم المشهود ( التلبس )
كما ان النظام الداخلي لمجلس النواب الصادر عام 2013 وفي المادة 146 نص على انه لا يجوز خلال دورة انعقاد المجلس ملاحقة العضو جزائياً او اتخاذ إجراءات جزائية او ادارية بحقه او إلقاء القبض عليه بأستثناء حالة الجرم الجنائي المشهود ، وفي حالة القبض عليه بهذه الصورة يجب إعلام المجلس بذلك فوراً . كما بين النظام الداخلي إجراءات رفع حصانة عضو مجلس النواب في المادة 147 ، حيث يجب ان يقدم رئيس الوزراء طلب الإذن بأتخاذ الإجراءات الجزائية بحق النائب الى رئيس المجلس مشفوعة بمذكرة تشمل نوع الجرم المسند اليه ومكانه وزمانه والأدلة عليه التي تستلزم إجراءات عاجلة . وجاء في المادة 148 بأن على رئيس المجلس إحالة الطلب الى اللجنة القانونية لفحصه والنظر فيه وتقديم تقرير عنه خلال مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوماً . فأن لم يقدم التقرير خلالها على المجلس مناقشته مباشرة ، ونصت المادة 149 من نفس النظام في الفقرة ( أ ) ان الرئيس يحيل تقرير اللجنة القانونية في اول جلسة تالية وتستمر مناقشة الأمر وإذا وجد المجلس سبباً كافياً لأتخاذ الإجراءات المطلوبة يتخذ قراره برفع الحصانة بألأكثرية المطلقة .
وتنص الفقرة ( ب ) من هذه المادة على ان قرار رفع الحصانة محصور بالفعل الوارد في ، طلب الأذن ولا يمتد ليسري على افعال أخرى ( وهذه الإجراءات الواردة في المادتان 148 و149 تتطلب ان يكون المجلس في حالة انعقاد عند تقديم الطلب ، والافأنها تحسب من تاريخ عودته للإنعقاد وبعدتشكيل لجانه وليس كما ذهب أحد اعضاء المجلس من انها تحسب من تاريخ انعقاده ) ونصت المادة 150 بأنه ليس للمجلس ان يفصل في موضوع التهمة وإنما يقتصر دوره على الإذن بإتخاذ الإجراءات القانونية او الإستمرار فيها متى تبين له ان الغرض منها ليس التأثير على النائب لتعطيل عمله النيابي . فيما نصت المادة 151 على انه اذا أوقف عضو المجلس خلال المدة التي لا يكون المجلس منعقداً فيها ، فعلى رئيس الوزراء ان يبلغ المجلس عند إجتماعه الإجراءات المتخذة مشفوعة بالإيضاح اللازم { وللمجلس ان يقررإستمرار تلك الإجراءات او إيقافها فوراً } .
كما جاء في المادة 152 من النظام الداخلي ان العضو الذي ترفع عنه الحصانة ولم يوقف له الحق في حضور جلسات المجلس وأجتماعات اللجان والمشاركة في المناقشات والتصويت . وجاء في المادة 153 انه ليس من حق النائب ان يتنازل عن حصانته دون موافقه المجلس .( وهذا عكس ما ورد على لسان احد النواب من نصيحة للنائبان المطلوب رفع الحصانة عنهما بأن يبادرا من تلقاء أنفسهما لمراجعة المدعي العام والإدلاء بأقوالهما أمامه ).
ويجدر الاشارة هنا الى ان الديوان الخاص بتفسير القوانين اصدر فتوى قال فيها ان لا حصانة للوزراء والنواب والأعيان امام الظابطة العدلية بما فيها الظابطة العدلية لدى هيئة مكافحة الفساد وانه وفي ضوء ذلك يحق لهذه الظابطة العدلية وعند تلقيها شكوى بحق احد الوزراء صلاحية سماع الأقوال وجمع الإستدلالات والأدلة المادية تمهيداً لإحالتها الى النيابة العامة التي تبدأ أمامها حصانة الوزراء . وفي فقرة أخرى ذكرت ان هذا النص ينطبق ايضاً على السادة الأعيان والنواب .
وبعد استعراض الأسانيد الدستورية والتشريعية لحصانة النواب والأعيان ، يبقى استعراض وجهتي النظر الاولى والتي تطالب ببقاء حصانتهم كما وردت في الدستور ودون أي تعديل ، ووجهة النظر الأخرى التي تطالب بتعديل الدستور والحد من حصانة النواب والأعيان وقصرها على الحصانة الموضوعية والتي تتعلق بأرائهم وأعمالهم ومواقفهم في سبيل تأدية واجبهم التشريعي ، ودون ان تشملهم الحصانة الإجرائية والتي تتعلق بما يقومون به خارج نطاق عملهم وفي سبيله وضرورة تحملهم العواقب القانونية فيما اذا خالف ما يقومون به القانون . وسوف اتحدث عن ذلك في مقال آخر مع استعراض الأسانيد والحجج التي يعتمد عليها كل فريق .