نشرت الصحف يوم الخميس خبرا عن تعميم أصدره رئيس الحكومة إلى الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية يطلب فيه أن تقوم هذه الجهات بتزويد الخزينة بأي فائض مالي شهري.
هو تعميم إيجابي، من جهة التدقيق وإشاعة أجواء الترشيد، ويشبه حال أي منا في شهر صعب أو في الأيام الاخيرة من الشهر حيث يصبح الدينار رقما صعبا، ويقضي رب الاسرة أوقاتا في “عد الفراطة” والتفريق بين “الشلن” و”البريزة”، ويدقق على صاحب الدكان عندما يشتري أي غرض ويطلب “الباقي” من أولاده اذا اشتروا غرضا له ويطلبه من الكنترول في الباص. واحيانا تجده فجأة قد قفز إلى أدراج الحزانة أو جاكيتاته يفتش فيها لعله يجد نصف دينار او دينارا منسيا في ظلام الأدراج وبين الأوراق القديمة أو في جاكيت لبسه قبل سنوات.
وفي الأمثال الشعبية مثل يقول “المفلس يدور في الدفاتر العتيقة”، أي يبحث في دفاتر الدكان عن ديون قديمة له على الناس، لكن هذا ليس بالضرورة دليلا على ترشيد، بل محاولة لتوفير شيء من السيولة، ولو عادت الأحوال إلى الرخاء ففي الغالب يعود ذلك الرجل إلى الإنفاق في غير مكانه، حتى لو وجد في جيب جاكيت قديم ديناراً من زمن الرخاء فإنه يتوقف للتفكير هل يشتري به شيئا من الأرز او السكر أم باكيت سجائر، فقد تجده منحازا لما لا ضرورة له، حتى وإن علم أن دينارا آخر قد لا يأتي قريبا.
كم نكون، نحن الاردنيين، سعداء لو ان حكوماتنا كلها ومنها الحكومة الحالية تمارس الترشيد دائما، وتطلب “الباقي” ولا تعطي قرشا إلا في مكانه، وأن تقوم خططها في الموازنة على عدم التوسع في النفقات، كما كان العام الحالي بالرغم من علم الحكومة أن هناك ازمة اقتصادية ستترك آثارها على صاحب البقالة وليس على دولة.
نفرح عندما نرى نهجا يحرص على مال الدولة، بخاصة أننا دولة لديها معاناة اقتصادية. ونحب أن تكون حكوماتنا بخيلة في المجالات التي تستحق ذلك، وأن تنفق بسخاء فيما يحقق المصلحة، وأن يكون حرص المسؤولين على مال الدولة، مثل حرصهم على أموالهم التي تنمو بسرعة، وأن لايكون التفتيش في الدفاتر العتيقة فقط لظرف خاص. وحتى لو وجدت الحكومة مالا فائضاً فإنها لا تتعامل معه مثل تعامل من فضل السجائر على خبز أطفاله أي ما يسمى أولويات الانفاق.
نشجع الحكومة على طلب الباقي وعلى تفتيش كل الجاكيتات القديمة، أي كل قرش للخزينة في أي ذمة. وأن تمارس كل مهارات البخل، حتى أكثر من “بخلاء الجاحظ” في تعاملها مع المال العام، فهذا يسجل لأي حكومة، لكن أن تكون الأمور نهجا دائما وأن تتم الإجراءات بجدية وحرص وأن يكون الأمر روحا لدى كل مسؤول، لأن المشكلة ان الكثيرين يتعاملون مع مال الدولة على أنه “مال سايب” حلال هدره!
sameeh.almaitah@alghad.jo
الغد ..