الهاشميون .. سادوا بشرافة النسب وقوة التسامح
شحاده أبو بقر
02-12-2019 10:22 AM
بغير سمو الحرف مبنى ومعنى ، يغدو الكلام مجرد " هذربة "، غثاء كغثاء السيل ، فللحرف شرف ، وللكلمة أيضا شرف ، والشرف تجسده قيم الترفع عن الصغار والصغائر ، والإرتقاء بالفكر والتفكر والفكرة معا ، إلى حيث الذرى ، وصولا بالكلمة نضجا لإعطاء أشهى الثمر ، ومن أكسبه الله شرافة الحرف والكلمة طبعا وتطبعا وسلوكا ، ساد حتما ، إن لم يكن على القوم ، فعلى نفسه هو بالضرورة ، مرتقيا بها إلى كل ما يسعدها دينا ودنيا ، وعبر ميزتين لا حاجة بهما لثالثة أبدا ، وهما ، شرافة النسب الصالح أولا ، ثم ، القوة في إتخاذ شيمة التسامح منهجا في التعامل مع الآخر .
وللدلالة على وجاهة ما نقول بين يدي واحد أحد لا نبغي سوى رضاه جل جلاله دون سائر خلقه ، نستحضر نفحات من سيرة الهاشميين عبر التاريخ قبل وبعد رسالة المصطفى منهم ومن سائر الخلق ، محمد صلى الله عليه وسلم ، ونقرأ بأمانة ، سيرته الشريفة التي لم تمنعه من الإعتزاز بنسبه إذ يقول في لحظة شدة ( أنا النبي لا كذب ، أنا إبن عبد المطلب ) . وهذه تكفي .
ونقرأ أيضا ، أنه صلوات الله وسلامه عليه ، وبينما كان مهاجرا مطاردا لا حول له ولا قوة إلا بالله ، يعد " سراقة " وقد لحق به مستميتا في طلبه طمعا بالجائزة التي أعلنها عتاة الكفر من قريش آنذاك لمن يأتي بمحمد ، بسواري كسرى عظيم الفرس في حينه ، وقد كان ما وعد به صلى الله عليه وسلم ، في عهد الخليفة عمر رضي الله عنه .
ونقرأ في سيرته الشريفة كذلك عند فتح مكة ، كيف قد صفح وتسامح وعفا عمن عذبوه وهجروه وحاربوه وفعلوا من السوء بحقه ما يعجز عنه الوصف ، إذ يسألهم وقد تم له الفتح المبين قائلا " ماذا تظنون أني فاعل بكم ! ، فيجيبون ذلا وضعفا قائلين ، أخ كريم وإبن أخ كريم " فيرد سيد الخلق صلى الله عليه وسلم قائلا " إذهبوا فأنتم الطلقاء " ، وعفا الله عما سلف .
ونقرأ من سيرة طويلة عطرة لا مجال لعرض الكثير الكثير منها ، كيف عفا وتسامح وصفح عن قتل رأس الفتنة في المدينة المنورة عبدالله إبن سلول عندما أشار الصحابة الأجلاء بقتله ، وهو مروج حديث الإفك وعدو رسول الله الظاهر والمتخفي والقائل " لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل " ، فقد رفض الرسول الكريم قتله حتى عندما عرض ولده أن يقتله هو بنفسه ، ليقول ، لا لن أسمح بقتله ، كي لا يقال بين العرب ، أن محمدا يقتل أصحابه .
ونقرأ ونقرأ ونقرأ ، وملخص ما نقرأ ، أن محمدا العربي القرشي الهاشمي صلى الله عليه وسلم ، أرسله الله رحمة للعالمين ، يقيم حدود الله ، ويعفو ويصفح عما تعلق به هو من شؤون ، وبقوة التسامح الذي لا يعرف حدودا ، إمتلك قلوب الأعداء قبل الأقارب والأصدقاء ، وهي قيمة وسجية وشيمة توارثها أهل بيته من بعده ، جيلا إثر جيل ، فبشرافة النسب المحمدي ، وبقوة التسامح ، ساد الهاشميون بين العرب ، برغم ندرة المورد وشح المال وحتى شظف العيش .
وظلت قوة الهاشميين معنوية لا مادية ، عدتها الإعتزاز بالنسب الشريف أولا ، ثم بالقدرة الفائقة على العفو والتسامح مع كل من أساء إليهم ، بحيث جعلوا من كارهيهم ، محبين ، ومن حاسديهم ، مؤيدين ومناصرين ، ومن المتآمرين عليهم ، أعوانا مقربين ، وكل ذلك بالتسامح والصفح ، والترفع السامي عن رد الإساءة بمثلها ، فقد عاشوا حقيقة أنهم أبناء وأحفاد سيد الخلق رسول الرحمة والهدى والتسامح ، ولا بد لهم من أن يكونوا كذلك .
هذا هو " سلاح " الهاشميين الأقوى والأمضى في هذه الحياة الدنيا ، به ينالون وعن جدارة محبة الله جل جلاله، وهي الأهم ، ومحبة الناس وهذا مهم ، وبين ثنايا الأهم والمهم ، تتجلى الحياة في أزهى وأبهى صورها ومعانيها ، سعادة وطمأنينة وراحة بال ، وما هو المبتغى أكثر من ذلك في الحياة الدنيا ! ، وما هو المطلوب أيضا لحياة آخرة أكثر من ذلك أيضا ! .
إعتزاز بالنسب وإقتداء بسيرة الجد الأعظم ، مقرون بقوة التسامح مع القوم ، إلا أعداء الله وغاصبي الحقوق وظلمة العصور ، فهؤلاء لا تسامح معهم ، وفي ذلك حتما ، سعادة الدارين ، دنيا وآخرة ، مهما تجبرت المصاعب والمتاعب والتحديات، وكفى بالله وكيلا ، وهو وحده سبحانه ، من وراء قصدي .