إسرائيل والعرب .. وشهد شاهد من أهلها
أمل محي الدين الكردي
01-12-2019 04:19 PM
يمكن القول أن القومية اليهودية بدأت في الظهور في مكانين مختلفين، هما أولاً: في منطقة نهر الفولجا الأدنى حيث كان اليهود في الماضي دولة الخزر وقد اتخذت هذه القومية شكل حزب سمي آنذاك "الحزب الاشتراكي اليهودي في الإمبراطورية الروسية" أو كان البوند ذلك عام 1897م في أعقاب الاضطهادات المتلاحقة التي تعرض لها اليهود في روسيا؛ إثر اغتيال القيصر الإسكندر الثاني عام 1881م على يد أحد المواطنيين اليهود.
أما موطن القومية اليهودية الثاني كان في النمسا بلد الصحفي اليهودي المعروف (تيودور هرتزل) فقد استغل هذا حادثة الضابط اليهودي (دريفوس) الذي اتهم بخيانة الجيش الفرنسي وبدأ يكتب ويجذب الرأي العام اليهودي العالمي بكتاباته عن الدولة اليهودية فاستقطب من حوله زعماء اليهود وخاصة يهود روسيا مما ساعده على عقد أول مؤتمر لليهود في بازل عام 1897م حيث أرسى القواعد الأساسية للدولة اليهودية وقد أعقب ذلك المؤتمر تهجير أعداد غفيرة من اليهود إلى فلسطين بغية إنشاء المستعمرات وبقصد الاستيطان وشجعت كل الشعوب الأوروبية التي لم تكن تحسب حساب للعرب سكان فلسطين الأصليين أي حساب وهذا يرجع إلى الفكرة الخاطئة التي تسيطر على أذهان الغرب والتي تعتبر كل بلد خارج القارة الأوروبية فراغاً فكرياً وحضارياً ومن واجب الأوروبي أن يملأ هذا الفراغ بفكره وحضارته.
وفي الوقت الذي بدأت فيه القومية اليهودية تتبلور كحركة سياسية وتخطو لإنشاء دولتها المقترحة في فلسطين بدأ عرب فلسطين يتأثرون بمؤثرات أيدولوجية أو مايسمى بالقومية العربية وكان ذلك في أعقاب الحركة التحررية التي ظهرت في الإمبراطورية العثمانية والتي انتهت بعزل السلطان عبد الحميد الثاني عام 1908م وأدت إلى تعصب الأتراك لقوميتهم وتنكرهم للعرب زملاء الأمس في السلاح ضد العهد البائد وكان من نتيجة التعصب والتنكر والذي صاحبه شيء من البطش والاضطهاد أن دخلت القومية العربية مرحلة جديدة من حياتها فانصرفت إلى مطالبة الأتراك بالحرية ولو ضمن إطار الدولة العثمانية.
وعلى الرغم من انحياز العرب إلى جانب الحلفاء ضد الأتراك في الحرب العالمية الأولى وبالرغم أيضا مما وعدوا به من استقلال بانتهاء الحرب لصالح الحلفاء فقد تنكرت إنجلترا لعهدها وأصدرت في الثاني من نوفمبر عام 1917 م وعد بلفور الذي يخول اليهود إنشاء وطن قومي لهم في فلسطين وعينت إنجلترا مندوبا ساميا لها السير هربرت صموئيل وهو يهودي صهيوني من المتحمسين لقيام الدولة اليهودية وقد فتحت في عهده أبواب فلسطين لكل يهود العالم. وسمحت بريطانيا لليهود في فلسطين بإنشاء وكالة لهم ترعى شؤونهم وكان للوكالة اليهودية تنظيمات تشرف على شؤونها جميعاً وفضلا على ذلك الجيش الذي كان متمثلاً في عصابات الهجانا والأرجون وشترن.
وفي 14فبرابر 1947م أعلن بيفن وزير الخارجية البريطاني عن عزم بلاده الانسحاب من فلسطين وفي 29 نوفمبر من العام نفسه أوصت الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين بين اليهود والعرب. وعلى إثر هزيمة 1948م قامت عدة انقلابات في الوطن العربي تريد الإصلاح.
الكتاب الذي أقدمه لكم هو كتاب إسرائيل والعرب الذي طبع في عام 1968 م وصدر بالفرنسية وترجم إلى الإنجليزية في لندن ونيويورك وتحدث عن 8 فصول أما الأزمة أو حرب 67 م فتشكل موضوع الفصل الثامن من الكتاب أو الخاتمة للكاتب مكسيم رودنسن الفرنسي اليهودي الذي ولد في باريس عام 1915م من أب يعتبر احد المؤسسين لاتحاد العمال اليهود في باريس وقد شغل المؤلف بعد تخرجه من السوربون عدة وظائف في الجيش الفرنسي ودار الآثار وعمل بالتدريس في سوريا ولبنان وطاف الكثير من البلاد العربية وعاد إلى فرنسا عام 1947م وإلى التدريس في السوربون وعمل أستاذا للغة الأثيوبية واللغات اليمنية الجنوبية، علماً بأنه يتقن اللغة العربية وبعض اللغات السامية.
أما ما كتب عن العرب برأيه أن الخطأ الذي وقع به خبراء الشرق الأوسط في الدول الغربية هو أنهم لم يفهموا الآمال العربية على حقيقتها فالعرب كانوا يرون الخطر الذي يتهددهم من التوسع الصهيوني أما بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي فكانوا يشعرون بأنهم لا مصلحة لهم في عداء دولة كبيرة لا تشكل خطراً عليهم وكانوا يرون أيضاً بأن على دول الغرب أن تضغط على اليهود كي يقبلوا قرارات الأمم المتحدة.
ثم تناول المؤلف بالسردية والتحليل سير الأحداث في البلاد العربية عشية حرب 1967م وتحدث الكاتب وقال: إن اليهود حينما جاؤوا إلى فلسطين لم تكن في نيتهم الإقامة والعيش بل كان هدفهم إقامة دولة وتشريد شعب ولذلك قاومهم العرب واعتبروهم غزاة استعماريون ولو كانت نيتهم البحث عن مكان يعيشون فيه لكان مرحبا بهم كما رحبوا بغيرهم من أقوام طردوا من ديارهم في ظروف قاسية.
وذكر الكتاب إذا كان لليهود الحق في إنشاء دولة لهم فليس هناك من سبب يدعو العرب أن يكونوا الضحية فإذا كانت أوروبا تريد أن تكفر عن خطاياها نحو اليهود فالمنطق يقضي بالتنازل عن جزء من أراضيها ليقيموا عليها دولتهم لا أن تكرم وتسخى على حساب العرب. وأن الصهيونية التي نجحت اليوم في خلق الدولة اليهودية فإن إقامتها على أساس غير سليم فالقوة التي اعتمدت عليها لن تدوم إلى الأبد وحظوظ الأمم في صعود وانخفاض فكما فشلت الدول الصليبية أن تبقى وتدوم في أرض العرب فإن إسرائيل ستلقى نفس المصير.
وكثيراً ما تدعي إسرائيل أنها أسهمت في تطوير الشرق الأوسط اقتصاديا وتكنولوجا وحضاريا ومن العجيب أن ينساق في هذا التيار المضلل أهل الغرب. وأن تمسك إسرائيل بسند تاريخي هو أن فلسطين كانت موطناً لليهود قبل ألفين سنة أمر لا يقبله العقل ولو جاز لنا وأخذنا به لوجب على كل شعب أن يبحث عن أصله وموطنه وهو مبدأ خطير ولو طبق لتغيرت خارطة العالم السياسية. وأن سياسة الأمر الواقع التي تفرضه إسرائيل على العالم هي سياسة خاطئة ولا يخفى أن سياسة الأمر الواقع الإسرائيلية هذه إنما قامت على القوة لا على أي أساس خلقي.
وطالب اليهود في كتابه بالتخلي عن سياستهم العدوانية والاندماج في الشرق الأوسط وسيضطر اليهود في تلك الحال إلى التعايش السلمي مع العرب في دولة واحدة قائمة على قوميتين ولو شاءت إسرائيل لسارت على هذا الطريق ولوجدت الشرق الأوسط يتقبلها وحلت بذلك مشاكل اليهودية القديمة بدل من إضافة مشاكل أخرى .
هذا الكتاب كُتب بروح موضوعية وحاول مؤلفه أن يظهر حقيقة القضية الفلسطينية وجوهر النزاع العربي الإسرائيلي بنزاهة وأمانة وهو يفعل ذلك باسلوب شيق ونظرة بعيدة الغور معتمدا بذلك على وثائق تجمعت لديه ومستعيناً بطول خبرته بالدول العربية هذه نظرته وعبر عنها فنحن بحاجة اليوم إلى إعادة كتابة التاريخ العربي والفلسطيني والثؤتيق مرة أخرى وخاصة بعد الإفراج عن وثائق كانت غير مفرج عنها وإعادة صياغة الأحداث بالطريقة الصحيحة.