قبل مليون دورة للنور والظلام، كان هنالك رجل وقور السمت يجلس في ظل إحدى أشجار الرمان المتناثرة على عدوة أحد وديان عجلون القديمة. هذا الرجل كان يبكي بإستمرار مع كل سهام للشمس وكل أصيل لها؛ فأطلق الناس عليه إسم: الباكي.
وذات شروق للشمس ظهر نبي يدعو قومه للفرح في حياتهم. وفيما هو مار بالباكي قال للجموع التي كانت تتبعه: "إجعلوا الفرح ماء دموعكم مثل هذا الباكي الذي يبكي فرحا رغم فقره وعسر حاله، فترون وجه الرب في الآخرة". ثم إلتفت إلى الباكي وسأله: "أليس كذلك أيها الباكي؟!" فأجابه الباكي: "قد صدقت أيها النبي". ومضى النبي في سبيله، تسير وراءه الجموع الكبيرة وعيونها شاخصة نحو دموع الباكي التي كانت تتراقص فرحا على خديه بشروق الشمس.
وذات غروب للشمس ظهر نبي آخر يطالب قومه بالحزن في حياتهم. وفيما هو مار بالباكي قال للجماهير التي كانت تلحقه: "إجعلوا الحزن ملح دموعكم مثل هذا الباكي الذي يبكي حزنا رغم غناه ويسر حاله، فتبصرون وجه الإله في الآخرة". ثم إلتفت إلى الباكي وسأله: "أليس كذلك أيها الباكي؟!" فأجابه الباكي: "قد صدقت أيها النبي". ومضى النبي في سبيله، تمشي خلفه الجماهير الغفيرة وعيونها محدقة نحو دموع الباكي التي كانت تسيل على وجنتيه حزنا على غروب الشمس.
أما الباكي فما زالت الناس حتى يومنا هذا تحج إلى مزاره الذي أقيم في ظل تلك الشجرة لرؤية معجزة دموع عينيه التي ما زالت تنهمر من قبره على خد الأرض فرحا لكل سهام للشمس وحزنا على كل أصيل لها.