حين نتحدث عن حالة القسوة على البلد فإن هذا ليس حديثا عن حالة الرقابة او النقد الموضوعي والتقييم لأداء الحكومة او السلطة التشريعية، فهذه الرقابة والنقد جزء من حقوق الاردنيين والقوى السياسية والاعلام، لكن ما نتحدث عنه هو القسوة على الأردن البلد والوطن التي نراها ونتابعها حتى ممن صنعتهم الدولة وجعلت منهم عناوين سياسية واجتماعية.
والقسوة التي نتحدث عنها هي الأحكام التي تجعل من يسمعها يشعر ان البلد في الرمق الأخير وأن فكرة الإصلاح غير ممكنه بل مستحيلة، وأن من يديرون أمور الدولة في كل المجالات عصابات، وأن البلد في حالة ضياع وأنها ذاهبة الى الدمار والخراب.
هنالك من يقسو على البلد لأنه يحبها لكنه يعبر عن حبه بانفعال سلبي ويستسلم لما يقال دون تمحيص او تدقيق، وهناك من يقسو على الأردن من هنا وهناك لأنه يتمنى أن تذهب الأمور إلى ما يروج له، وأن يتحول الأردن إلى بلد منهار وتعم فيه الفوضى، وتفشل مؤسساته، وهؤلاء هم الذين لم يؤمنوا يوما بالدولة الأردنية ولا يريدون لأهلها أن يعيشوا حتى بالحد الأدنى من الاستقرار والكرامة.
وهناك من يعتقد أنه كلما زاد منسوب القسوة في حديثه فإنه يصبح أكثر شهرة ويحظى بالمديح بأشكاله، وأن الوطنية هي القسوة على البلد وتصويرها وكأنها مقبلة على الدمار.
وهنالك صنف مهم من الذين يمارسون القسوة على الأردن ويتولون مواقع المسؤولية دون كفاءة أو ضمير، ويخذلون الأردنيين والملك بأدائهم الضعيف أو بتجاوزهم القانون، وهم ممن يقسون على الأردن ويقدمون للبعض مبررا لمزيد من القسوة والظلم البلد.
الأردن ليس بلد ملائكة لكنه ليس غابة من الشياطين، والأردن ليس المدينة الفاضلة لكنه ليس بلد عصابات، والأردن يحتاج إلى جهد كبير لمعالجة مشكلاته ومكافحة الفساد لكنه ليس بلدا على فراش الموت ينتظر من يكتب خبر وفاته.
وللتذكير فإن ما نقصده ليس النقد الموضوعي والرقابة على أداء المؤسسات بل أحاديث نعي البلد التي يمارسها البعض ويصدقها البعض أيا كانت نوايا من يقول ومن يسمع.