رواية فذة تهجس مفرداتها بالوجع الفلسطيني
يوسف عبدالله محمود
30-11-2019 04:21 PM
اكثر من مرة قرأت رائعة الاديب الفلسطيني الراحل اميل حبيبي "الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد ابي النحس المتشائل". وفي كل مرة أرى فيها شيئاً جديداً يستحق ان يقال، أن يَعِظ
"ولاء" هو ابن "المتشائل" سعيد ابي النحس، احتج عسكر الصهاينة على اسمه! شاب في مقتبل العمر لا يريد لعدوه الصهيوني ان يهزمه. يلوم والديه لانهما منذ صغره يكرران هذه الجملة امامه حتى حين كان يُدندن في الحمام، كان والده يصيح به قائلاً: "احترس بكلامك غيّر هذا اللحن، إن للجدران آذاناً". عندها يرد ولاء: "أريد الا احترس بكلامي مرة واحدة!".
يطارد عسكر الصهاينة "ولاء" للقبض عليه لكنه يتوارى عنهم في كهف حاملاً سلاحه للمواجهة اذا اقتضى الأمر. لن يستسلم كالجبناء. يستعين العسكر بأمه لتثنيه عن المقاومة وليخرج مُلقياً سلاحه، لكنه يرفض بإصرار، هو متشبث بأرض يحامي عن حيضها.
يدور بين الأم وابنها ولاء هذا الحوار:
- ما الذي جاء بك يا أماه؟
- ارسلوني كي اقنعك ان تلقي سلاحك فتخرج اليها وتسلم.
- لماذا يا اماه؟
- قالوا: رحمة بي وبأبيك الذي جرجره العسكر الاسرائيلي قريباً من هنا بغية ان تخرج وتسلم سلاحك.
- أماه، جئت الى هذا الكهف كي اتنفس الحرية مرة واحدة!
في المدرسة يا أمي حذرتموني، احترس بكلامك! فلما اخبرتكم ان مُعلمي صديقي همستم: لعله عين عليك!
تخفق محاولات الام في اقناع ولاء بتسليم نفسه، عندها لا تلبث الام ان انضمت الى "ولاء"، وسرعان ما اختفى الاثنان
استعداداً لمنازلة قادمة! عسكر الصهاينة أُسقط في ايديهم حبسوا نبأ الاختفاء عن التداول حفظاً لماء الوجه.
أميل حبيبي بروايته هذه جعل من شخصية "ولاء" أداة للسخرية من المتخاذلين ومن العملاء الذين "يقبلون بالخازوق الذي يقعد عليه كل فلسطيني يتعاون مع اسرائيل"، هو يجلس عليه لا يستطيع تحمله ولا هو قادر على الهبوط منه الى الارض.
"ولاء" اميل حبيبي عكس أسرة "المتشائل" حيث يمشي افرادها وظهورهم محنية، أما هو ظل شامحاً يتحدى جلاديه.
"ولاء" اميل حبيبي من جِبلّة أخرى صاحبها روحه على كفه.
"ولاء" له من اسمه نصيب، إنه الولاء لوطن مغتصب.
حين صاح "ولاء" في وجه امه وابيه "اريد الا احترس بكلامي، مرة واحدة. إن هذا الكهف الذي انا فيه الآن أرحب من حياتكم".
كان يوجه رسالة الى المتخاذلين من بني قومه مفادها ان الحرية شجرة تسقى بالدماء، لا تُنال بالخطب الحماسية. حين قال ولاء لأمه حين قالت له: "إنما نحن نرث ونزرع ونتحمل حتى يحين الحصاد". رد عليها: متى يحين الحصاد؟ لقد تحملت عُمري، سئمت يا أمي خنوعكم.
"حين تصبح الحياة ارخص من الموت يصبح ما اصعب من بذلها ان نعض عليها بالنواجذ".
مفردات هذه الشخصية ينبغي ان يستوعبها كل متخاذل عن أقدس قضية، قضية وطن تم احتلاله وتشريد اهله.
مع الاسف أرانا اليوم كعرب نقاتل بعضنا بالسلاح، بينما نقاتل أعداءنا بالدعاء، والخطب النارية!
عن اي "حصاد" نتحدث وحالنا هذا الحال المعطوب!