الأردن وروسيا .. تطابق في السياسة
د.حسام العتوم
30-11-2019 02:23 PM
التقارب الأردني الروسي والاعتراف المتبادل وسط الحرب الباردة بين الغرب الأمريكي والشرق السوفييتي حدث في ستينات القرن الماضي، وتحديداً عام 1963 عندما صافح الأردن بقيادة مليكنا الراحل العظيم الحسين طيب الله ثراه روسيا السوفيتية إبان الاتحاد السوفييتي في عهد الزعيم نيكيتا خرتشوف، وكان الاقتراب الأردني وقتها موجهاً لكل السوفييت والعرب، ومثيله السوفييتي لكل العرب كذلك.
وليس دقيقاً القول بأن الاتحاد السوفييتي اعترف أولاً بإسرائيل في المقابل، وبأنه قلب الطاولة وسط العرب والشرق الأوسط بتاريخ 17 مايو 1948، فلقد سبقته إلى ذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت بالحكومة المؤقتة الإسرائيلية بعد الاعلان عن قيام (دولة) اسرائيل بتاريخ 14 مايو 1948، وهو الذي عارضته جامعة الدول العربية بسبب دعوته لتقسيم فلسطين، وبلغ عدد دول العالم التي اعترفت بإسرائيل وقتها 163 دولة من أصل 193 دولة عضو في الأمم المتحدة. وشكل انسحاب الانتداب البريطاني سببا مباشراً لفتح المجال أمام الاحتلال الاسرائيلي الأول لفلسطين بجهد العصابات الصهيونية مثل (البالماخ، والهاجناه، والارجون، والشتيرن). وكل ما جرى كان نتيجة لاتفاقية سايكس – بيكو السرية بين فرنسا وبريطانيا، وبعد التآمر مع الصهيونية بتاريخ 3 يناير 1916 على ثورة العرب الكبرى المجيدة التي اطلق رصاصتها الأولى ملك العرب وشريفهم الحسين بن علي في 10 يونيو 1916، بهدف اعتراض الثورة، واحباط اهدافها البنائية والوحدوية. وكتاب الحركة العربية للمؤرخ الأردني الكبير المرحوم سليمان الموسى ص(695) اشار إلى رغبة الشريف حسين تحقيق وحدة تشبه روابط الوحدة بين الولايات المتحدة الامريكية، وبحيث تتمثل الوحدة "في العلم الواحد، والنقد الواحد، وجوازات السفر الواحدة، والمصالح الاقتصادية الواحدة، والجيش الواحد" (انتهى الاقتباس). ولا ننسى هنا وعد بلفور عام 1917 الذي رسّخ الوجود اليهودي الصهيوني على أرض فلسطين.
وبالمناسبة السوفييت هم من هددوا بقطع العلاقات مع اسرائيل اذا ما واصلت عدوانها الاحتلالي وسط أراضي العرب، ودعموا مصر في السلاح وفي بناء السد العالي. وفي حرب تشرين 1973 واصلوا دعم القوة العسكرية لكل من مصر وسوريا، وهي الحرب التي أظهرت فيها قواتنا المسلحة الأردنية الباسلة – الجيش العربي، ومن خلال جهد الفرقة (أربعون) تميزاً في الدفاع عن الهضبة السورية – الجولان، وفي تحرير جزء هام من مدينة القنيطرة فيها.
وعودة على العلاقات الأردنية الروسية الاحظ بأنها تتسم بالصلابة وبالعمق الاستراتيجي الهادف من زاوية تمسك الأردن بطرفي المعادلة الدولية (روسيا وامريكا) باتزان، وكما ان لأمريكا ورغم حشرجة صوتها دوراً هاماً في تنظيم علاقة الأردن مع دول الجوار مثل اسرائيل، ووسط الاقليم مثل ايران، وابعد، فإن لروسيا دوراً آخراً، وهي تمثل بالنسبة للأردن بيضة القبان والصوت الواضح.
وواصل جلالة الملك عبدالله الثاني (حفظه الله) بناء العلاقات الأردنية – الروسية عبر تنفيذ عدة زيارات ملكية سنوية، ولقاءات مع الرئيس بوتين حميمة رسّخت العلاقات الشخصية بينهما، وانعكست ايجاباً على العلاقات الوطيدة بين بلدينا الأردن وروسيا. واستفاد الأردن من الدور المحوري المعارض لسياسة امريكا الخارجية. فبينما هي امريكا تعمل وتنادي بتنفيذ صفقة القرن بعد الاشتراك في مضامينها مع اسرائيل، وهي المحبطة لعملية السلام الشرق أوسطية برمتها بسبب عدم اعترافها علنا بحل الدولتين، وبالقدس الشرقية عاصمة لها، وبأهمية تجميد المستوطنات، وبحق العودة، وبشرعية الوصاية الهاشمية التاريخية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وقابل هذه المعادلة موقف روسي شجاع دعا علانية إلى ترسيخ حل الدولتين منعاً للعنصرية، وإلى تثبيت القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وإلى تجميد المستوطنات الاسرائيلية، وإلى استمرار تطبيق الوصاية الهاشمية على المقدسات في فلسطين. وشتان بين الموقف الامريكي المساند للأردن، وللعرب، والمنحاز وبقوة لإسرائيل والمعتبر لها بالخط الأحمر، وبين الموقف الروسي العادل الذي يقيم علاقة متينة مع الأردن والعرب، ويصادق اسرائيل، ولا يتفق مع سياستها الاحتلالية والاستيطانية.
وروسيا تمكنت بحنكتها السياسية المعهودة وعبر بوتين ولافروف من مساعدة سوريا في ازمتها الدموية، وفي افشال الخطة (ب) الامريكية الصنع والتي استهدفت نظام دمشق وبقوة السلاح، واستقطبت أي روسيا إلى جانبها لاحقاً امريكا، والأردن، وتركيا في مناطق خفض التصعيد بهدف اعادة اللاجئ السوري إلى وطنه طوعاً، وبعد إعادة بناء البنية التحتية لحياته الانسانية الواجب أن تكون كريمة، وقدمت نصائحها لدمشق لإظهار دستور ديمقراطي يحفظ أمن سوريا والمنطقة.
وعلى الصعيد الاقتصادي ومنه السياحي وبحكم وقوع مغطس السيد المسيح على الأرض الأردنية وباعتراف الفاتيكان، تم توقيع اتفاقية في مجال السياحة عام 2004، وزاد التبادل التجاري ووصل إلى 32.7 مليون دولار، وازداد طردياً عبر ارقام وصلت بالتدريج إلى 140 مليون دولار، و 410 ملايين دولار. وبلغت الصادرات الروسية إلى الأردن 406.5 مليون دولار، والواردات وصلت إلى 3.5 مليون دولار حتى عام 2007. ومشاركة شخصية لجلالة الملك عبدالله الثاني عام 2004 في موسكو، في مؤتمر الاعمال الروسي الأردني، وتأسيس مجلس الاعمال الروسي الأردني ومشاركة اردنية ناجحة لـ 20 شركة في معرض التجارة والصناعة اكسبو عام 2008 في موسكو، وشركات روسية مثل (ستروي ترانس غاز) و (تيخنو بروم امبورت) و (أورال تيخنو ستروي) فتحت مكاتب لها في عمان. وسلسلة من معارض (اكسبو) الاقتصادية، واتفاقية لتجميع السيارات الروسية بعمان عام 2007. وشهد عام 2009 تفاهماً اردنيا – روسياً للتنقيب عن البترول تحت اشراف شركة (انتر راو ياس)، واتفاقية طيران مدني، وغيرها ذات علاقة بالطاقة النووية السليمة.
وفي حديث لوكالة الانباء الأردنية (بترا) بتاريخ 12/6/2019 اعده مندوبها صالح الخوالدة، قال السفير الروسي بعمان غليب ديسياتنيكوف بأن الأردن وروسيا شريكان موثوقان في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، حيث يتمتعان اليوم بمستوى ممتاز من التعاون المثمر الذي تدعمه العلاقات الشخصية المتميزة بين جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس فلاديمير بوتين.
ولقد وصل حجم التبادل التجاري بين الأردن وروسيا حسب السفير ديسياتنيكوف عام 2018 إلى 602.5 مليون دولار، واشاد بأهمية بروتوكول التعاون الموقع في عام 2017 بين صندوق الاستثمار الروسي وهيئة الاستثمار الأردنية.
وقبل ايام من شهر تشرين الثاني/ 2019 وتحديداً في يوم 14 منه تم في وزارة التخطيط الأردنية التوقيع على بروتوكول الاجتماع الخامس للجنة الوزارية الأردنية الروسية بحضور وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور وسام عدنان الربضي ووزير الزراعة الروسي دميتري باتروشوف والسفير الروسي بعمان ديسياتنيكوف حول التعاون التنموي الشامل استناداً على مباحثات جلالة الملك عبدالله الثاني والرئيس بوتين الاخيرة في سوتشي هذا العام 2019. وهكذا اجد تطابقاً قوياً في السياستين الخارجية والداخلية بين الأردن وروسيا تبشر بالعطاء المستمر، والتنمية الشاملة، والسلام.