عن البترا والسياحة وتحدياتها!
د. زيد نوايسة
28-11-2019 12:12 PM
احتفلت مدينة البترا بعد اثني عشر عاماً من الإعلان عن اختيارها كإحدى عجائب الدنيا السبع نتيجة التصويت الذي جرى بتاريخ 7/7/2007 بوصول عدد زائريها لرقم المليون، هذا بالتأكيد إنجاز لا يجوز التقليل من أهميته على تواضعه لمدينة احتلت الترتيب الثاني في عجائب الدنيا السبع، بينما نجد أماكن أثرية وسياحية أقل أهمية وجاذبية من المدينة الوردية تخطت منذ زمن حاجز المليون. ومع ذلك لا يجوز أن تطغى حالة التشكيك التي سادت خلال الأيام القليلة الماضية حول جنسية السائحة وأحقيتها في الحصول على هذا السبق على الفكرة الأساسية في وقت تشهد فيه السياحة تطوراً ملحوظاً وبدا الأمر وكأنه توظيف لحالة الغضب والاستياء من الأداء الحكومي وعلى طريقة عنزة ولو طارت لتستهدف في المحصلة ضرب مكون أساسي نراهن جميعاً أن يحسن اقتصاد البلد.
يمكن فهم مبررات حالة الزهو الحكومي فهي تحتاج للبناء على أي انجاز يمكن أن يشكل بارقة أمل ويحسن من صورتها والانطباع العام عنها ولكن هذا وحده لا يكفي ما لم تنجح فعلاً في التعامل مع القطاع السياحي بطريقة مختلفة كلياً وعدم اختزال المشهد السياحي فقط بمدينة البتراء واغفال منتجات سياحية يملك الأردن فيها ميزات مهمة وربما متفردة سواء في مجال السياحة الدينية أو العلاجية والبيئية وسياحة المغامرات وسياحة المؤتمرات وترويجها بشكل أكبر وأوسع فلدينا عشرون ألف موقع أثري منها أربعة على لائحة التراث العالمي.
مؤكد أن الحكومة تتابع حجم إقبال الأردنيين على السياحة الخارجية نحو دول عديدة مثل تركيا ومصر ولبنان ودول شرق آسيا وتقارنها بالسياحة الداخلية وتعرف أن الكفة تميل كثيرا للسياحة الخارجية نتيجة سبب بسيط وهو أن التكاليف المالية أقل بكثير من الذهاب في رحلة لمنطقة البحر الميت أو العقبة أو البتراء والإقامة فيها يوما أو يومين ناهيك عن تواضع الخدمات بشكل واضح، حتى أن الوفود السياحية التي استغلت فرصة السماح للطيران المنخفض السعر أشارت في نماذج تقييم الخدمة لسوء الخدمات وارتفاع الأسعار كما ينقل بعض العاملين في القطاع السياحي.
الحكومة تتبنى هدف رفع مساهمة السياحة إلى أكثر من 12.4 % وهي آخر نسبة حسب إحصائيات وزارة السياحة للعام 2018 إذ بلغت خمسة مليارات دولار. المؤشرات هذا العام ربما تتحسن نتيجة سياحة البواخر الكبيرة ولكن المهم أن يكون هناك استجابة للتحديات الأساسية التي تواجه قطاع السياحة وأهمها؛ ارتفاع كلفة الطاقة على المنشآت السياحية وارتفاع أثمان بطاقة الدخول للمناطق السياحية والأثرية وتواضع حالة قطاع النقل السياحي ونقص الحافلات الحديثة وتردي الخدمات الأساسية كالغذاء والنظافة في الأماكن السياحية ونقص العمالة المدربة خاصة في اللغات غير الإنجليزية بالإضافة للموانع السياسية التي تحول دون السماح لجنسيات معينة بزيارة الأردن وتقف الإجراءات المتبعة حائلاً دون ذلك بينما غيرنا من الأشقاء وبالرغم من الصراع السياسي بينهم يفتحون لهم الأبواب.
لا يمكن إنكار أن الحكومة تقوم بخطوات مهمة لتطوير قطاع السياحة الذي أصبح اليوم مكونا رئيسيا من مكونات الاقتصاد الوطني لأي بلد ولكن هذا لا يكفي ولم يعد منطقيا الاتكاء على سياحة الترانزيت أو اليوم الواحد لبناء اقتصاد سياحي حقيقي بل المطلوب تقديم مزيد من التضحية لكي ترتفع إنتاجية ومساهمة القطاع السياحي.
هناك بلدان حديثة نجحت في خلق بيئة سياحية منافسة وهي لا تملك مقومات يمتلكها بلد بعراقة وتنوع الأردن الديني والتراثي والمناخي والتاريخي وبموقعه الجغرافي والاستقرار السياسي لكنها امتلكت إرادة التحدي ونجحت لأنها أدركت أن وزارة السياحة هي أيضاً وزارة سيادية مهمة.
الغد