الفضائيات الإسلامية والتواصل الاجتماعي
د.مهند مبيضين
28-11-2019 01:05 AM
تفرض العولمة خياراتها، وتفرض ثورة الاتصالات ايقاعها على الدول والاديان والمجتمعات، وفي عصر الصورة وثورة التواصل الاجتماعي، وفي ظل محاولات «تنميط الإعلام» ومع العولمة الثقافية للمجتمعات الإنسانية التي تعيش على وقع عصر الصورة التلفزيونية أو القنبلة الإعلامية التي أشار إليها عالم الاجتماع الفرنسي جورج بلاندييه بلفظة «هيمنة وسائل الإعلام « التي حولت كل شيء في مجتمعات الحداثة الفائضة المتعاظم شأنها قابلا للفرجة، وفيها تحالفت القوة التقنية مع القوة الإعلامية لتؤلف مجتمعات أصبحت فيها الصورة التلفزيونية ظاهرة اجتماعية كلية تولد أحاسيس متناقضة تفشل طاقات التفكير الناقد وتروج لنمط ثقافي محدد او تبث فكر محدد او توجه الناس نحو قناعات محددة، يأتي السؤال عن الفضائيات الإسلامية من حيث طبيعة الدور الذي تقوم به وأزمة المنافسة الشديدة بينها، ومرجعيتها الدينية وأثرها على جودة العمل وشروط المهنية الرفيعة التي لا يبدو ان الفضائيات الإسلامية تسير إليها بكل اقتدار، برغم وجود نجاحات في بعضها.
يذهب الفرنسي كارل بونغ الباحث النفسي صاحب المدرسة المسماة باسمه إلى الاعتقاد بأن الإثارة العاطفية جزء من نشوء وانتشار أية ضاهرة او خبر ما او مجرد شائعة، والإثارة العاطفية او المرجعية العاطفية في مهارات علم الاتصال لا يمكن اعتمادها او تصنيفها ضمن معايير الاعتماد الخاصة بتقييم اية وسيلة اعلامية أو فضائية، ذلك ان المهنية والموضوعية والحياة التي تعد الثالوث القيمي للعمل الإعلامي تتراجع لا بل تسقط أمام مرجعية الأيدولوجيا او العاطفة الدينية.
امتاز عقد التسيعينات من القرن العشرين بانطلاق عدة محطات فضائية عربية بين متخصصة ومتنوعة وتجارية وغيرها، ولكن الفضائيات الدينية او الاسلامية تحديدا تكاد تكون ميزة النصف العقد الأول من الألفية الثالثة عربيا، اذ زادت المنافسة واشتد سباق القدرة على الانتشار بعد ان ثبت انه بالامكان الاستفادة من هذه الفضائيات إما لبث فكر معين او للفائدة التجارية او لإثارة البحث في قضايا فكرية محددة.
بوسع المشاهد العربي ان يطالع اليوم العديد من الفضائيات الإسلامية التي ليست بالضرورة هي بدائل شرعية او موازية للدور الذي يمكن ان تؤديه المؤسسه التقليدية للدين الاسلامي في المجمتع العربي، هذا إلى جاني الإعلام الإسلامي عبر شبكات التواصل والويب.
تدل المقاربة الثقافية بين الفضائيات الإسلامية على انها تتشابه في مصادرها وفي اهادفها العامة ولكنها تختلف في الاسلوب الذي تعمتده من أجل الوصول إلى مساحة انتشار زائدة، وهذا ما يتضح من خلال الاعتماد على فنانين في تقديم بعض البرامج او في نوعية البرامج الموجهة لشريحة الشباب المسلم واستثمار دعاة شباب جدد في ظل تراجع الدعاة التقليديين عن الساحة.
الفضائيات العربية التي تتبنى نهجا اسلاميا، تستند إلى مرجعية دينية بالضرورة، وهي مرجعية لا تتساوى مع افتراض مفاده أن الحرية الاعلامية هي المعيار الأول في العمل الاعلامي كما ان المهنية الموضوعية والاحتراف وشروط الكلمة الحرة هي اكبر من ان تحاط بأية تصورات مسبقة او ايدولوجيا حاكمة تقود المشاهد إلى محورية الصورة التلفزيونية وكينونتها.
على مدار العام تتنافس الفضائيات الإسلامية وتزداد في شهر رمضان، غير ان المنافسة مرشحة لان تزداد اشتعالا بينها والسؤال هو ما الهدف الذي تسعى إليه بعض هذه القنوات؟ هل هو تحدي مزامنة ومواجهة الثورة الجديدة لشبكات التواصل والصفحات الدينية عبرها، وظهور دعاة عليها، ونجاحها في استقطاب الشباب وبث خطاب التطرف عبرها وتجنيد المقاتلين؟.
الدستور