ما قد يكون مفاجئا للبعض؛ هو: أن صهيون هي لفظة كنعانية عربية صرفة، أطلقها اليبوسيون، قبل ظهور بني إسرائيل بنحو من ألفي عام، على رابية من روابي القدس، التي كانت تسمى حينذاك ب: يبوس.
وعلى امتداد الزمن الواقع بين ذلك التاريخ وبين أواخر القرن التاسع عشر، لم يكن لتلك اللفظة هذا الرداء القذر الذي أُلبِسَ لها، رغما عنها؛ لِتُغتُصب اللفظة، كما اغتُصِبت الأرض الطاهرة لاحقا؛ لتخرج صهيون؛ اللفظة، من روضة الطهر والعفاف إلى حضيرة العنصرية والإغتصاب، ذلك حين أسس بعض من يهود روسيا، ما بات يعرف بمنظمة: "عشاق صهيون"، تلك المنظمة التي انشأوها تحت وطأة سياط العسف القيصرية، التي تهاوت على عقولهم وأنوفهم؛ لمكرهم، وبما كسبت أيديهم.
وإذا كانت تلك المنظمة قد انطلقت كحركة سرية مقاومة لروسيا القيصرية، وكانت، بالفعل، قد افتتحت عهدها، بمقاومة فعلية لتلك الدولة، إلا أن نشاطها سرعان ماتحول نحو فلسطين، لتغدو وسيلة سياسية استعمارية فتاكة، اتخذ مؤسسوها من اضطهاد اليهود في روسيا وفي عموم أوروبا، ذريعة لتحقيق الهدف الرئيس لهم، ولعموم عتاة يهود الشرق والعالم؛ وهو: إنشاء كيان خاص باليهود على الأرض العربية.
ولقد تلاقحت في ذلك الهدف، وعلى جنباته، مصالح غُلات اليهود، مع مصالح قوى الشر العالمي؛ من وَرَثَة أَكِنَّة الحقد الغربي على هذه المنطقة وأهلها، الذين رأوا في غرز الدولة اليهودية في قلب الجسد العربي، مايكفل لهم تصديعه وخلخلته، وإبقائه بعيدا عن سياقات التطور الحضاري، ذلك بالتضافر مع ما خططوا له، ونفذوه، من أعمال القص والتمزيق والتفخيخ لذلك الجسد؛ من خلال مقررات (كامبل بنرمان)، التي أُقِرَّتْ في العام ١٩٠٦، والتي رأت النور في سايكس بيكو، وفي مشاريع إذكاء الإنتماءات الفرعية، وفك عرى الإنتماء للغة العربية؛ باعتبارها رباطا وثيقا يشد بنيان الأمة، وفي سياقات أخرى يضن بنا المقام عن سردها.
نعم؛ لقد أصاب آباء الصهيونية، الذين كان من أبرزهم والد وايزمان وابن غوريون، النجاح في مسعاهم، حين توجوا أفكارهم تلك، بخطوات عملية اتخذوها في مؤتمرهم الشهير، وهو أول مؤتمر لهم، والذي عقدوه، عام ١٨٩٧، في سويسرا، وهو المؤتمر الذي كانت نتائجه كارثية، للغاية، على منطقتنا؛ حيث شهد ذلك المؤتمر ولادة المنظمة الصهيونية العالمية، التي انتخبت في الإجتماع ذاته (ثيودور هرتزل) رئيسا لها، كما تم تحديد أهداف تلك المنظمة؛ وهي الأهداف التي تتمحور جميعها حول هدف رئيس هو: استعمار فلسطين، ذلك فضلا عما شهده ذلك المؤتمر؛ الكارثة، من مناقشات سرية مطولة، انتهت إلى وضع ما بات يعرف ب :
" بروتكولات حكماء صهيون" التي كانت لعنة، ليس على منطقتنا العربية فقط، بل وعلى العالم بأسره.