اثر اشتعال الشارع الأردني على مدار الأسبوعين الماضيين حول دستورية أو عدم دستورية الدمج المنوه عنه أعلاه, فإنني كمتابع لما ورد في وسائل التواصل الاجتماعي وخاصة في عمون نيوز, استطيع أن ابين أن هناك رأيين يتبنيان عدم الدستورية ورأي آخر يتبنى الدستورية ويمثله ديوان التشريع والرأي.
اما ما اعتمد عليه أنصار عدم الدستورية, فيتمثل في ان الخط الحديدي الحجازي وقْف إسلامي مخصص بالأصل لأعمال البر ولديه شخصية مستقلة عن شخصية الدولة بالاضافة إلى أن أمواله مختلفة ايضا عن اموال الدولة.
كما يتمثل ايضا هذا الرأي أو الموقف في أن قرار الحكومة بدمج مؤسسة الخط الحديدي الحجازي بوزارة النقل اجتهاد حكومي في غير محله, بمقولة أن الخط الحديدي الحجازي وقف اسلامي عالمي نصت عليه معاهدة لوزان كما جرى تنظيم ادارته بين الدول التي يمر بها وتحكمه معاهدات وقواعد القانون الدولي المصادق عليها, وهي اعلى من القانون الوطني في حين اعتمد الرأي القائل بالدستورية والمتمثل في رئيسة ديوان التشريع والرأي في أن المادة (107) من الدستور اشترطت تنظيم امور الاوقاف الاسلامية بقانون وحيث أن الدمج لا يتم الا بموجب قانون, فان آلية هذا الدمج تستدعي بالضرورة تعديل قانون النقل باضافة نص خاص بانشاء حساب أو صندوق مستقل ينظم شئون استثمار الخط الحجازي وانفاقها بالوجوه المخصصة لها, وفي ذلك اتفاق مع النص الدستوري ... الخ.
ولنبدأ بموقف من ينعى على عدم دستورية الدمج , فنرى أن هذا الموقف مُتعجل جدا ً بالحكم بعدم الدستورية.
اذ أن الطعن أو الدفع بعدم دستورية نص قانون ما, يتطلب وفقا للدستور وقانون المحكمة الدستورية, بيان النص القانوني المدَّعى بعدم دستوريته والنص الدستوري المدَّعى مخالفته.
وهو ما افتقده هذا الرأي أو الادعاء, فمن يريد أن يطعن أو يدفع بعدم دستورية نص ما يجب أن يطعن أو يدفع بعدم دستورية نص قانوني نافذ وفقا للدستور والقانون, اما وان النص المُدَّعى بعدم دستوريته لم يرَ النور بعد, اذ لم يخرج إلى حيز الوجود من قبل السلطة التشريعية, فيكون الطعن به امرا غير جائز وغير جدي, ولا يعدو اكثر من كونه رجما بالغيب, واسمحوا لي لغاية تلطيف جو هذه المداخلة استعمال مثلٍ شعبي يردده الجميع (تانشوف الصبي بنصلي عالنبي) مع أن جميع المسلمين والمؤمنين يصلون على النبي.
وعليه, لو قدم مثل هذا الطعن أو الدفع للمحكمة الدستورية لردَّته شكلا وفقا لما نراه.
اما الرأي الثاني الذي صوّب نحو الدستورية ايضا فيتمثل أن الخط الحديدي الحجازي قد ورد النص عليه في اتفاقية لوزان, وهي كقانون دولي تسمو على القانون الوطني, اي القانون الذي سيصدر بالدمج.
والحقيقة من الأمر, أن هذا القول يفتقد إلى الدقة القانونية وجاء اعتماداً على ما هو شائع خطأ من أن القوانين الدولية تسمو على القوانين الوطنية, فردّنا على هذا القول, يتمثل في أن الدساتير في دول العالم وما إذا كانت تسمو على القوانين الوطنية ام لا, هي التي تحدد هذا الأمر, باعتبار أن الدساتير تمثل سيادة الدول, والحرص على هذه السيادة تكون في العادة سببا من اسباب الحروب الاقليمية والدولية, نخلُص إلى ما تقدم أن مشرعنا الدستوري لم يتضمن نصا يجعل اليد العليا للقوانين الدولية على القوانين الوطنية.
اما وان رد الدفع أو الطعن سيردٌّ شكلا استناداً لما تقدم من اسباب, فاننا لن نتطرق للرأي الذي يتبنى الدستورية بالنظر لان مجال البحث في هذا الرأي لا يكون الا بعد قبول الطعن أو الدفع شكلا.
المحامي الدكتور كامل السعيد
أستاذ القانون الجنائي / الأردنية
عميد كليتي الحقوق في الجامعة الأردنية وعمان الأهلية سابقا
الحائز على جائزة الدولة التقديرية في العلوم القانونية لعام 1993
عضو محكمة التمييز الأردنية سابقا
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء و التشريعات سابقا
عضو المحكمة الدستورية الأردنية سابقا